من يسكت اليوم… يعتقل غدا

من يسكت اليوم… يعتقل غدا

في مشهد مؤلم يعكس هشاشة العلاقة بين حرية التعبير والسلطة، صدر أمر اعتقال بحق الزميل ضياء الساعدي، عضو مركز أبابيل الدولي للدراسات الاستراتيجية، على خلفية تصريحاته حول ملفات فساد مالي واداري في مؤسسة كان يفترض أن تمثل العدالة والانصاف،  مؤسسة السجناء السياسيين.

ما طرحه الساعدي، حسب المتداول، لم يكن سوى محاولة لفتح نقاش جاد حول شبهات فساد في مؤسسة ترتبط بشكل وثيق بتاريخ الانتهاكات والضحايا. فاذا بها، وفق ما أُعلن، تتحول إلى ساحة للنفوذ والمصالح، لا الى منبر للانصاف ورد الاعتبار. إن تحول دور المؤسسة من راعية لحقوق الضحايا الى ما يشبه “الاقطاعية الادارية”، ان صح التعبير، هو أمر يستحق وقفة مسؤولة.

ما يجري يطرح تساؤلات مقلقة: هل أصبح النقد، مهما كان موضوعياً، مدعاة للعقاب؟ وهل أصبح الطريق الى الحقيقة محفوفا بالقيود القانونية والاجتماعية؟ ان توقيف من يكشف الفساد بدلاً من التحقيق في مضمونه، هو انقلاب على روح الدستور، وعلى مبدأ المساءلة الذي لا تقوم الديمقراطية من دونه.

لا يخفى على أحد ان الفساد لا يعيش الا في الظلام، وان من يرفع صوته لكشفه لا يجب أن ينظر اليه كخصم، بل كمواطن يقوم بواجبه الاخلاقي. الصمت لم يعد حيادا، بل تواطؤا. ومن يسكت اليوم خوفا، قد لا يجد من يدافع عنه غدا اذا ما طاله الظلم.

نحن في أمس الحاجة إلى اعادة التذكير بان حرية التعبير ليست ترفا، بل حجر الزاوية في بناء الدولة العادلة ، والمسؤولية اليوم لا تقع على الصحفي أو الباحث أو الناشط، بل على من يصر على أن يكون الصوت المرتفع جريمة، لا اشارة خطر تستوجب الانصات والتحقيق.

من هنا، فاننا لا ندافع عن شخص بقدر ما ندافع عن المبدأ. والمبدأ هو: لا عقوبة على التعبير، ولا حماية لمن يختبيءخلف المؤسسات ليمارس الاقصاء أو الفساد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات