بعد مضي أكثر من ستة عقود على انعقاد أول مؤتمر للقمة العربية ، بات جليا – ولاحظه القاصي والداني – الفشل الذريع الذي لازم جميع مؤتمرات القمم العربية، والتي تنعقد وتختتم ببيانات مفرغة من مضمونها، لا تتجاوز لغة التنديد والشجب والاستنكار.
جميع القمم العربية أكدت مرارا على “وحدة الصف العربي” و”دعم قضايا الأمة المصيرية”، ثم تمضي دون أثر يذكر، ومع كل قمة تتجدد الأسئلة ذاتها:
لماذا تفشل القمم العربية باستمرار؟ هل الخلل في طبيعة القضايا المطروحة، أم في بنية النظام العربي ذاته؟
في هذا المقال، نحاول تقديم قراءة تحليلية معمقة لهذا الفشل المزمن.
أولا: الانقسام البنيوي العميق بين الدول العربية حيث ان الخلافات بين الدول العربية لم تعد مجرد تباينات في وجهات النظر والمواقف، بل أصبحت تصدعات جيوسياسية قائمة على تناقضات استراتيجية خطيرة، من أبرزها:
الانقسام الحاد بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني (إسرائيل).
التباين الكبير في المواقف من الأزمات الداخلية في كل من سوريا، وليبيا، واليمن حيث أصبحت الدول العربية وكأنها تعيش في “حلبة مصارعة”، لا يجمعها سوى الإطار الشكلي للجامعة العربية، ما يجعل مؤتمرات القمة مجرد مساحات لتعايش مؤقت، لا منصات لاتخاذ قرارات مصيرية وفاعلة.
ثانيًا: أزمة الإرادة والتنفيذ .. فبالرغم من صدور مئات القرارات خلال مؤتمرات القمة منذ تأسيس الجامعة العربية، الا إن الغالبية العظمى منها غير ملزمة، ولا تعدو أكثر من كونها خطابات رنانة ،فالجامعة تفتقر إلى:
آليات تنفيذية فاعلة ، نظام للمساءلة أو العقوبات على الدول غير الملتزمة، بخلاف الاتحاد الأوروبي الذي يعتمد أدوات قانونية واقتصادية وعسكرية تلزم الجميع باحترام قراراته.
ثالثًا: طغيان الشكل على المضمون ..
غالبا ما تطغى الإجراءات البروتوكولية على جدول الأعمال، ويهيمن الحضور الشكلي على جوهر النقاش. كما تطبخ البيانات الختامية مسبقا بلغة توافقية غامضة تضمن الا يعترض عليها احد، لكنها في المقابل لا تلزم أحدا بشيء ناهيك عن غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة الذي يحول القمة إلى حدث إعلامي ينتهي بانتهاء الجلسة الختامية.
رابعا: اقصاء الشعوب من المشروع العربي .. جميع القمم تعقد بغياب كامل للمجتمعات المدنية، والنقابات، والجامعات، والقطاع الخاص .. ولا تطرح فيها هموم المواطن العربي اليومية ، كالتعليم، البطالة، الأمن الغذائي، والهوية الثقافية، مما يجعلها مفصولة عن نبض الشارع العربي، ولا تحظى بأي احترام أو اهتمام شعبي حقيقي.
خامسا: نماذج متكررة للفشل ..
تتكرر مظاهر الفشل من قمة إلى أخرى ، قمة بيروت 2002: أطلقت “مبادرة السلام العربية” دون أية ضمانات. ، قمة دمشق 2008: غاب عنها نصف القادة ، قمة الجزائر 2022: شهدت غياب رموز عربية بارزة، قمة نواكشوط: وصفت بـ”الباردة” بسبب ضعف الحضور والمضمون وفي كل مرة، تغيب القرارات الحاسمة، ويختتم المؤتمر ببيانات خالية من آليات التنفيذ الفعالة.
ما الآليات التي قد تُخرج القمم من دائرة الفشل؟
اولا : إصلاح هيكلي للجامعة العربية وتعديل ميثاقها لجعل قراراتها ملزمة واعتماد مبدأ التصويت بالأغلبية، مما يحرج الدول المخالفة. بالإضافة إلى إنشاء مجلس عربي للأمن الجماعي.
ثانيا : التحول من الخطابة إلى الفعل
واستبدال الخطب المطولة بورش عمل ومشاريع تنفيذية وإشراك المجتمع المدني والشباب في صياغة الرؤية العربية المشتركة، بما يتماشى مع المتغيرات العصرية.
ثالثا : بناء مشاريع اقتصادية إقليمية تكاملية ممثلة بانشاء شبكة سكك حديد عربية ، اقامة اتحاد كمركي موحد، تنفيذ مشاريع مشتركة للأمن الغذائي.
ختاما نقول ” القمم العربية لا تفشل لأنها عاجزة عن إصدار البيانات، بل لأنها عاجزة عن الفعل.
الفشل متأصل في بنية النظام العربي ذاته و في غياب المشروع، والأدوات، والارادة.
ولن تتحول الجامعة العربية إلى قوة فاعلة ما لم يتم تصحيح هذا الخلل، ورأب الصدع بين الدول العربية، وإعادة بناء منظومة القرار الجماعي العربي على أسس جديدة تتسم بالوضوح، والالتزام، والفعالية.