قمة بغداد… حفلة تنكرية على انقاض وطن
بقلم …لمياء العامري
بينما تتزين شوارع بغداد بالأعلام واليافطات وتغلق الطرق، وتنتشر قوات الأمن ابتهاجا وفرحا باستقبال القادة العرب ، كان هناك شيء آخر يعبر عن ألم وحسرة : أفواه الجياع ممن صحى ولم يجد في بيته رغيف خبز يسد به رمق عائلته …
قمة عربية جديدة رقمها (34) ، تنعقد على أرض العراق، البلد الذي يشكو كل يوم من ميزانية خاوية، وبنية تحتية منهكة، وفساد متأصل ومتجذر ينخر عميقا في كل زاوية من مفاصله.
سؤال بسيط ، لكنه مؤلم : ماذا قدمت القمم السابقة للعرب ، ما هي إنجازاتها وكيف تجسدت على ارض الواقع العربي المرير الذي يتخبط من سيء إلى اسوأ .. وما هي تكلفة هذه القمة بالذات وفي هذا الوقت الحرج ما تاريخ العراق ؟
قمة بمئات ملايين الدولارات… وبلد يتسول
تقدر كلفة تنظيم مؤتمر القمة في بغداد بدورته الحالية بمئات ملايين الدولارات ، ما بين إعادة تأهيل طرق، وتجهيز فنادق خمس نجوم ، وطائرات خاصة ، ومواكب ، وهدايا بروتوكولية.
هذه المبالغ تكفي لانشاء مئات المدارس، أو تحسين الكهرباء هذا الملف الشائك الذي اجهض احلام العراقيين بسويعات نوم هاديء ، أو تشغيل آلاف العاطلين من حملة الشهادات الذين قضوا اجمل ايام حياتهم في الدراسة والسعي بغية الحصول على وظيفة تحفظ ماء وجوههم وتحميهم من العوز والحاجة .
في المقابل، صرخات يومية تؤكد ان “الوضع المالي العراقي حرج”، وان الحكومة تقترض لتمويل الرواتب، ووزارة المالية تظهر ببيانات ما انزل الله بها من سلطان تصب في مجملها لازهاق قوة الموظف البسيط لا بل وصلت بهم الجرأة بأن يوقفوا العلاوات التي لا تتعدى ٧ او ٨ الاف دينار سنويا للموظف تحت ذريعة العجز المالي ..
ترى من أين لكم هذه المليارات من الدنانير اذن ؟!
وهل يكون التقشف في كل شيء… إلا في استعراضاتكم ومنافعكم الشخصية؟.
قمة بلا صوت ، لم يُدع الشعب العراقي، ولا ممثلوه الحقيقيون .. لم تُناقش ملفات البطالة والفقر والنازحين .. لم يفتح ملف المستشفيات المتهالكة والشباب الذين يموتون في البحر بحثاً عن فرصة للعيش الكريم. فبينما تبث وقائع مؤتمر القمة على الهواء، يسارع المواطن ليطفئ التلفاز بغية تقليل استهلاك كهرباء المولدات .
والنتيجة الختامية لمؤتمر صرفت عليه المليارات … شعارات مستهلكة ونتائج محفوظة تتجسد في مجملها ، ندين ونستنكر ، “نؤكد على مركزية القضية الفلسطينية”، “نرفض التدخلات الأجنبية”… كلام فرغ من محتواه منذ السبعينات، ويُعاد إنتاجه كل عام، بينما تزداد الأزمات، ويتآكل الموقف العربي الهزيل من جذوره.
يتحدث الرؤساء والملوك عن السيادة، بينما تستضيف اراضيهم جيوشا أجنبية .. يتحدثون عن الديمقراطية ، بينما لا توجد انتخابات حقيقية في كثير من الدول الحاضرة وأن وجدت يتخللها التزوير والنتائج معروفة سلفا .
يتحدثون عن الكرامة، بينما نصف شعوبهم تحت خط الفقر ..
العرب ليسوا بحاجة إلى قمم، بل هم أحوج ما يكونون إلى كرامة.
العراقي ليس بحاجة إلى “صورة تذكارية جماعية” هو بأمس الحاجة إلى دولة تعالج فقره وتشعر بمعاناته وتحفظ خيراته وثرواته .. وتنهي هذا الواقع المزري المرير .. العراقي يرفض ان يكون هو وثرواته خادما للحكومات الأنوية المستبدة ، لسنا بحاجة إلى مطار جديد لاستقبال الضيوف ، بل إلى مستشفى مجاني لأطفالنا. هذا ليس كرماً ولا سيادة ولا انجازا او نجاح … هذه حفلة تنكرية تُقام فوق أنقاض وطن متهريء الاجزاء يتكالب عليه اللصوص والخونة..