هذا سؤال تلقاه في قلوب العراقيين من دون أن يصرحوا به أو يجيبوا عنه لأنهم يعرفون جيدا كيف كان العراق وكيف كانت دول الخليج قبل خمسين سنة..
العراق ودول الخليج، رغم اشتراكهما في الثروات النفطية والموقع الجغرافي لكنهما سارا على مسارات تنموية متباينة. فبينما أصبحت دول الخليج اليوم مراكز اقتصادية عالمية، عانى العراق من تأخر تنموي بسبب عوامل سياسية، اقتصادية، واجتماعية.
في هذا المقال سنستعرض الأسباب الرئيسية، التي أدت إلى تراجع العراق..
1. تحولات النظام السياسي
شهد العراق تحولات سياسية معيقة. الملكية (1921-1958) قدمت استقرارًا نسبيًا، لكنها عانت من هيمنة النخب. ثم انقلاب 1958 أتى بالقومية، ثم سيطر البعث (1968-2003) بنظام شمولي أدى إلى حروب مدمرة (العراق-إيران، غزو الكويت).
بعد 2003، أُسس نظام المحاصصة الطائفية والمكوناتية، الذي عمّق الانقسامات، وأضعف المؤسسات، وغذى الفساد. في المقابل، حافظت دول الخليج على أنظمة ملكية مستقرة، مكنتها من التخطيط الاستراتيجي عبر رؤى مثل “رؤية السعودية 2030”.
2. الفساد المستشري
الفساد في العراق، خاصة بعد 2003، أعاق التنمية. بحسب منظمة الشفافية الدولية، إذ يُعد العراق من أكثر الدول فسادًا. إذ اختفت مليارات من عائدات النفط في مشاريع وهمية، مما قلّص الاستثمارات في التعليم والصحة. بينما دول الخليج، رغم تحدياتها، تبنت إصلاحات لتعزيز الشفافية وتحسين الحوكمة.
3. تهميش الكفاءات بعد 2003
بعد 2003، شهد العراق تهميشًا منهجيًا للكفاءات الوطنية. فحلّ الجيش وإقصاء الكوادر المهنية بذريعة “اجتثاث البعث” أديا إلى خسارة خبرات إدارية وعلمية.
نظام المحاصصة فضّل الولاءات السياسية والطائفية على الكفاءة، مما دفع آلاف المهندسين، الأطباء، والأكاديميين للهجرة. هذا النزيف أضعف قدرة العراق على إعادة البناء. في المقابل، استثمرت دول الخليج في استقطاب الكفاءات المحلية والعالمية، مثل برامج التدريب في الإمارات وإنشاء مراكز بحثية في قطر.
4. المليشيات وانعدام الأمن
صعود المليشيات المسلحة بعد 2003، خاصة تلك المرتبطة بأجندات خارجية، عزز الفوضى. هذه الجماعات سيطرت على موارد وأعاقت بناء دولة قوية. كما أن ظهور داعش (2014-2017) زاد من الدمار ونزوح الملايين. بينما دول الخليج، على النقيض، حافظت على سيطرة الدولة على القوة العسكرية، مما وفر بيئة آمنة للتنمية.
5. التدخلات الخارجية
العراق أصبح ساحة لتدخلات إيران والولايات المتحدة. فإيران دعمت مليشيات وأحزاب، معززة نفوذها في كل المجالات، بينما أدى الغزو الأمريكي إلى تفكيك الدولة وتفتيت المؤسسات.
هذه التدخلات جعلت العراق رهينة أجندات خارجية. دول الخليج، رغم تحالفاتها الدولية، حافظت على سيادة قرارها، مستفيدة من علاقاتها لتعزيز مكانتها.
6. إدارة الموارد وتنويع الاقتصاد
دول الخليج استثمرت عائدات النفط في تنويع اقتصاداتها، مثل السياحة في دبي والتكنولوجيا في السعودية. العراق ظل معتمدًا على النفط بنسبة تزيد عن 90% من إيراداته، مع غياب تنويع بسبب الفساد وعدم الاستقرار.
7. تدهور رأس المال البشري
كان العراق رائدًا تعليميًا في السبعينيات، لكن الحروب والهجرة أديا إلى انهيار التعليم وزيادة الأمية. دول الخليج استثمرت في التعليم، مثل جامعات عالمية في قطر، مما عزز قدرات مواطنيها.
خلاصة القول فإن تأخر العراق يعود إلى أسباب عديدة ؛ نظام سياسي مشوه، فساد مستشرٍ، تهميش الكفاءات، سيطرة المليشيات، وتدخلات خارجية. بينما دول الخليج، بفضل استقرارها وحوكمتها، حققت تقدمًا ملحوظًا.
ومع كل ما ذكرناه فللعراق فرصة للنهوض عبر نظام سياسي قادر على مكافحة الفساد، واستعادة الكفاءات، وبناء رؤية تنموية، لكن كل ذلك يتطلب إصلاحات جذرية وإرادة سياسية قوية.