احصيت خلال فترة ثلاثين يوما المنصرمة صدور حوالي 47 تهديدا من قادة عسكريين ايرانيين وعدد من المسوولين المدنيين .
التهديدات موجهة نحو كل من الولايات المتحدة واسرائيل وبنبرات امتازت بالمباشرة وفي سياقات لا تخلو من الاستعراض المبالغ فيه حيث تضمنت بعض التهديدات اشارات الى ان الرد الايراني ( سوف لن يلقى ردا لان الضربة ستؤدي الى فناء الطرف الاخر ..) كما صرح بذلك اكثر من مرة اللواء حسين سلامي قائد قوات حرس الثورة الاسلامية .
وقد نفهم من تصاعد معدلات التهديد مؤخرا انها ورقة مساندة للمفاوض الايراني ، غير ان سياسة التهديدات في ايران مستمرة ومتواصلة منذ سنوات وتطلق احيانا بدون مناسبة .
وللافت في التهديدات الايرانية الاخيرة انها لم تعد تحتل صدارة عناوين الاخبار ولم تعد محل اهتمام وذلك لان ورقة التهديد قد استهلكت سياسيا واعلاميا على مايبدو لأ نها تقرأ في اروقة التحليل على انها دليل لحالة ضعف او ان ايران لم تعد تمتلك خيارات قوة اضافية ..
الطرف الاخر المعادي للجمهورية الاسلامية ، وعلى طاولة التفاوض ،يفهم من الناحية الاستراتيجية ان تركيز طهران على ورقة القوة المسلحة هي انها تفتقد لاوراق القوة الاخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
في عام 2011 دعا السفير الصيني لدى طهران الصحفيين الى وليمة بمناسبة ذكرى انتصار المقاومة الصينية على الاحتلال الياباني ، احد الاعلاميين الحاضرين سأل السفير عن رأيه بالسياسة الايرانية المجابهة للولايات المتحدة ..و اقترح الاعلامي ان تنظم جمهورية الصين الشعبية الى هذه الحملة .
رد السفير الصيني مستهلا كلامه بابتسامة خفيفة وقال : نحن استفدنا من الحقبة الماويه بان التهديد بالقوة لم ينجح في اخضاع اميركا ودفعها نحو سياسة متعادلة مع الصين ، ولذلك قررنا ان نستخدم قوة الاقتصاد وامتلاك التكنلوجيا الاقتصادية بأي ثمن حتى لو تطلب تقديم تنازلات .. وفي غضون عشرين عاما استطعنا ان نصيب الرئيس بيل كلينتون ب( الاسهال ) حينما اخبره رئيسنا مهددا بان الصين ستقوم بتعويم قيمة اليوان الصيني .. وحاليا ( والكلام للسفير ) المنتخب القومي الاميركي لكرة السلة سيلعب حافي القدمين اذا قرر معمل صيني وقف انتاج الاحذية الرياضية ليوم واحد ….
وبهذا المعنى وعقب قرار الرئيس ترامب زيادة الرسوم الجمركية وقال لاينبغي ان نشتري من الصين .. نشر مسؤول صيني على موقع أكس صورة للمتحدثة باسم البيت الابيض وهي ترتدي قيمصا صنع في الصين !
الولايات المتحدة ادركت حقيقة تأثير القوة الاقتصادية بعد خسائرها المالية الكبير عقب مشاركتها في الحرب العالمية الثانية وحينها قال الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت مقولته الشهرة : إن التجارة الخارجية هي مدافعنا بعيدة المدى من الآن فصاعدا …
لقد عبر الرئيس روزفلت عن اهمية القوة الاقتصادية والتجارية كوسيلة للنفوذ الاميركي عالميا خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت الى نتيجة مفادها هي ان الحرب ليست فقط مكلفة ماليا للدول المتحاربة ، ايضا هي اداة مدمرة لحركة نمو الاقتصاد العالمي والذي هو نقطة التقاء جميع الدول لتامين مصالحها المشتركة .
مقابل ورقة التهديد بالقوة المسلحة في ايران ،حدث تطور لافت وينطلق من رؤية واقعية واستراتيجية حيث بدأت تتبلور في اروقة القرار الايراني نظرية ثانية تنطلق من ادراك حقيقة ( قوة الاقتصاد) وان الاقتصاد يمكن ان يكون الورقة الاقوى في ترويض الولايات المتحدة ودفعها نحو تبني سياسة متعادلة وايجابية مع الجمهورية الاسلامية كما فعلت الصين من قبل .
السيد فاطمة مهاجراني المتحدثة باسم الخارجية الايرانية قالت : ان اول مفاعل نووي شيد في ايران كان بخبرات اميركية ! .
كلام مهاجراني يحمل على انه اشارة الى امكانية مشاركة الشركات الاميركية في بناء منشات نووية سلمية في ايران .
اكثر من مصدر في طهران اكد ان المفاوض عباس عراقچي يحمل قائمة مغريات ب نصف تريليون دولار من بينها شراء 200 طائرة بيونغ وبناء محطات كهرباء وانشاء مصانع للسيارات الاميركية في الجمهورية الاسلامية .
نائب ايراني مصنف على خانة الثوريين اقترح منح الاستثمار لتطوير حقل ( فارس الجنوبي الغازي ) الى الولايات المتحدة .
اعتقد هذا المقترج ينطوي على قدر من الدهاء الفارسي لان حقل فارس الجنوبي هو تشاركي عبر المياه مع دولة قطر والتي تقوم حاليا ( بشفط ) الغاز بملايين الدولارات يوميا ، ويبدو ان الرؤية الايرانية الجديدة تعتقد بانه لا احد يستطيع وقف ( الشفط القطري ) غير اشراك اميركا في استثمار الحقل ( وحقول مشتركة اخرى مع الكويت والعراق ) . ومن هنا تبدو دول الخليج انها الخاسر الاكبر من اية صفقة شاملة بين واشنطن وطهران ولهذا بالغت الحكومات الخليجية في سخائها مع الرئيس ترامب في زيارته الحالية ، وربما تريد ان تقدم له اغراءات اكبر مما لو مضى في الصفقة مع الجارة ايران .