يقول طارق حرب في مقابلة مع د . مجيد السامرائي :  (( يكون الأنسان كاملا مثقفا , أذا كان أغريقي أي يوناني العلم , هندي البصيرة , شامي السيرة , صوفي النسك , مسيحي الطريقة , عبراني المنهج , عراقي الآداب , عربي الدين , فارسي النسب )) , ويبدو انه مشابه للأنسان الكامل عند اخوان الصفا : (( العالم الخبير الفاضل , الذكي المستبصر , الفارسي النسبة , العربي الدين , الحنفي المذهب , العراقي الآداب , العبراني المخبر , المسيحي المنهج , الشامي النسك , اليوناني العلوم , الهندي البصيرة , الصوفي السيرة )) , ونحن نعرف أنهم تأثروا  بالفلسفة اليونانية والفارسية والهندية , وكانوا يأخذون من كل مذهب بطرف .

إخوان الصفا وخلّان الوفا , جماعة من فلاسفة المسلمين من أهل القرن الثالث الهجري/العاشر الميلادي في بصرة العراق , اتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة في ذلك العهد , فكتبوا في ذلك خمسين مقالة سمّوها (( تحف إخوان الصفا )) , وهناك كتاب آخر ألّفه الحكيم المجريطي القرطبي المتوفّى سنة 395هـ وضعه على نمط تحفة إخوان الصفا وسمّاه (( رسائل إخوان الصفا )) , وقد أثّر فكر الإخوان في المذهب الإسماعيلي في البصرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري , وكانت اهتمامات الجماعة متنوعة , تمتد من العلم والرياضيات والفلك إلى السياسة , وقاموا بكتابة فلسفتهم في اثنتين وخمسين رسالة مشهورة ذاع صيتها حتى في الأندلس , ويعدّ بعض المختصّين هذه الرسائل موسوعة للعلوم الفلسفية , كان الهدف المعلن من هذه الحركة (( التضافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهّر النفس )) , ومن الأسماء المشهورة في هذه الحركة أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي , وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني , ومحمد بن أحمد النهرجوري , والعوفي , وزيد بن رفاعة.

نحاول تحليل عناصر الكمال الثقافي في قول إخوان الصفا , وكشف دلالاتها في تشكيل صورة الإنسان المثالي عندهم ,  فالأغريقي العلم (يوناني العلم ) , جاء من مناقشة تقدير إخوان الصفا للعلوم والفلسفة اليونانية (المنطق, الرياضيات , الفلك , الطب ) ,وكيف رأوا في هذه العلوم أساسًا متينًا للتفكير العقلاني وفهم العالم , حيث اثربعض الفلاسفة اليونانيين في فكرهم (مثل فيثاغورس , أفلاطون , أرسطو) , أما ((هندي البصيرة )) , فأن لمفهوم (( البصيرة )) عند الإخوان علاقة بالحكمة الروحية والتأمل , بما يدعو للبحث عن أوجه التشابه المحتملة مع الفلسفات والأديان الهندية (مثل التأمل , الكشف الروحي ) , وقد يكون التركيز هنا على الجانب الحدسي والمعرفي العميق , و((شامي السيرة )) , مرتبط بتفسير معنى ((السيرة الشامية )) , وكيف يمكن أن تشير إلى الأخلاق الحميدة , الزهد , والورع الذي اشتهر به بعض المتصوفين والزهاد في منطقة الشام , وأرتباط هذا العنصر بالجوانب العملية والأخلاقية في حياة الإنسان الكامل .

أما (( صوفي النسك )) , فهو يؤكد على أهمية التصوف والزهد في رؤية الإخوان كطريق لتزكية النفس والارتقاء الروحي , وكيف يساهم النسك في تحرير الإنسان من قيود المادة والشهوات , و (( مسيحي الطريقة )) , فهو يناقش كيف يمكن أن تُفهم (( الطريقة المسيحية )) في هذا السياق , بالإشارة إلى قيم مثل المحبة , التسامح , والرحمة التي تُنسب إلى المسيحية , في جوانبها الأخلاقية والروحية المشتركة , و (( عبراني المنهج )) , الذي قد يشير إلى التركيز على الشريعة , والقانون الأخلاقي , والالتزام بالعهد مع الله كما يُفهم في التراث اليهودي , بما يمكن ربطه بالعنصر النظامي والانضباط الذاتي في حياة الإنسان , والقول (( عراقي الآداب )) , فهو يستعرض غنى وتنوع الآداب والعلوم في الحضارة العراقية القديمة (سومرية , بابلية , آشورية) وكذلك في العصر العباسي (الشعر, النثر, التاريخ , الجغرافيا ) , وكيف يساهم الإلمام بهذه الآداب في ثقافة الإنسان واتساع أفقه المعرفي .

بقي لدينا صفة (( عربي الدين )) , التي تؤكد على أهمية الدين الإسلامي كلبنة أساسية في هوية الإنسان الكامل عند الإخوان , وكيف يمثل هذا الدين الإطار الأخلاقي والقيمي الذي يوجه حياة الفرد والمجتمع , أما صفة (( فارسي النسب )) , فهم بذلك يشيرون الى الدور الذي لعبته الحضارة الفارسية في إثراء جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية ( الفنون , الأدب , الإدارة , العلوم ) , وكيف يمكن أن يساهم الوعي بهذا التراث في تكامل ثقافة الإنسان , فيالها من توليفة حضارية فريدة , تلخص رؤية فريدة تجمع بين عناصر ثقافية وحضارية متنوعة , ومن هنا تأتي أهمية إخوان الصفا ودورهم في إثراء الفكر الإسلامي في العصر العباسي.

عرِّفهم ابن تيمية بقوله : (( كانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنِّفة ’ جمعوا – بزعمهم – بين دين الصابئة المبدِّلين وبين الحنيفية , وأتوا بكلام المتفلسفة وبأشياء من الشريعة , وفيه من الكفر والجهل شيء كثير)) ,  وقال الذهبي حين ترجم لأبي حامد الغزالي في كتاب السِّيَر: (( وحُبِّبَ إليه إدمان النظر في كتاب (رسائل إخوان الصفاوهو داء عضال , وجَرَبٌ مُرْدٍ , وسُمٌّ قاتل , ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء لتَلَف )) , وهكذا نجد أن المبادئ العامة التي بنى عليها إخوان الصفا نظرياتهم مقتبَسة من الديانات المختلفة (موحِّدة ومجوسيةجاهدين في التوفيق بينها كلها , وقد انتهت بهم نزعتهم التلفيقية هذه إلى أن يَرَوا في جميع المذاهب الفلسفية والوثنية والموحدية مذهباً واحداً , يوفِّق بين جوهر الأديان , ولهذا قالوا: (( الرجل الكامل يكون فارسي النسب , عربي الدين , عراقي الأدب , عبراني المخبَر, مسيحي المنهج , شامي النسك , يوناني العلم , هندي البصيرة , صوفي السيرة , ملَكيَّ الأخلاق )) , وقالوا كذلك: (( ينبغي لإخواننا ألاَّ يعادوا عِلماً من العلوم أو يهجروا كتاباً من الكتب ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب , لأن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلها ويجمع العلوم كلها )) .

(( إذا نَظَرْتَ إِلَى الدُّنْيَا بِعَيْنِكَ هَذِي *** تَغَرَّرْتَ مِنْهَا وَاسْتَهَانَتْكَ الْحِيَلُ

وَلَكِنْ إِذَا نَظَرْتَ بِعَيْنِ قَلْبِكَ يَا ذَا *** الْحِجَى رَأَيْتَ عَجَائِبًا لَيْسَ تُنَلُ )) .