الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة

الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة

يعد الشاعر عبد الهادي عباس من بين القلة من الشعراء الذين حافظوا على مسلكهم الشعري، وهو مثال للشاعر الذي مزج بين الأصالة والحداثة، وشهدت قصائده تنوعاً كبيراً بين الأغراض الشعرية المختلفة، من الغزل إلى الوطنيات، الى الرثاء، إضافة إلى تأثره بالتراث الأدبي العربي وحرصه على إبراز الهويات الثقافية العراقية والعربية، وسنحاول في هذه الالمامة بيان أهم مميزات شعره، لغته الشعرية، وقدراته التصويرية.

تتميز قصائده بكثير من الخصائص التي جعلت له مكانة واضحة بين الشعراء، ومن أهم هذه المميزات:

     أنه يميل في كثير من قصائده إلى التعبير عن أعمق المشاعر والأفكار التي تلامس الواقع الحياتي، فهو لا يقتصر على الصور الشعرية التقليدية، بل ينسج رؤىً فلسفية وعاطفية تلامس القلوب، وفي قصائده، يتجلى النزوع إلى التأمل في الحياة والموت، والمجتمع والسياسة، واهتم كثيراً بالجوانب الاجتماعية والإنسانية.، وهو ما يشير الى العمق الفكري والوجداني الذي توزع على كثير من نتاجه الشعري.

   ورغم أنه اشتهر بالغزل والحب في بداية مسيرته، إلا أنه سرعان ما تنوعت أغراضه الشعرية، وأخذ يكتب في مواضيع متعددة مثل الوطن، الحرية، القضايا الاجتماعية، والإنسانية. وتُظهر قصائده قدرة كبيرة على التحول والابتكار في الأشكال الشعرية، وهو ما يعكس طبيعة التنوع في شعره.

     ورغم حفاظه على بعض القوالب الشعرية، إلا أنه أضاف لمساته التجديدية في شعره وانصهرت في قصائده الأساليب الكلاسيكية مع اللمسات الحديثة، بما يعكس روح العصر الذي عاش فيه، وجعل شعره يتسم بالانسيابية والوضوح، والسير بخطى واضحة في طريق التجديد والحداثة.

أما لغته الشعرية، فقد انمازت بالقوة والرصانة، مع قدرة متميزة على التعبير عن مشاعره ومواقفه باستخدام مفردات غنية ومؤثرة. باعتماده على البساطة والوضوح، وحرصه على أن تكون لغته سهلة الفهم وثرية في نفس الوقت، ويتجنب التعقيد اللغوي المبالغ فيه، وهو ما يجعل قصائده في متناول الجميع، سواء كان القارئ متخصصًا في الأدب أم ليس له خلفية أدبية عميقة.

كما يتسم شعره بالقوة والجزالة، ويستخدم أحيانًا ألفاظًا مألوفة لكنها قوية، ما يمنح القصيدة نوعًا من الفخامة والعمق، وفي أحيان كثيرة، تأتي الكلمات لتتكامل مع المعنى العميق الذي يسعى إلى نقله، دون أن تكون هناك ازدواجية أو غموض، وهو يتفاعل مع الواقع، رغم صعوبة الظروف السياسية والاجتماعية التي مر بها العراق، إلا أنه كان دائم التفاعل مع هذا الواقع، فكانت قصائده تعكس كثير من الإحساس بالظلم والمأساة، وأحيانًا الطموح إلى التغيير.

   كما تميز شعره بقدرة عالية على التصوير الشعري، وهو ما أضاف لقصائده لمسة فنية خاصة، فقد  حفل شعره دائمًا بصور حية ومؤثرة. وأستخدم الاستعارات والتشبيهات بشكل مبدع ليضفي على المعاني أبعادًا جديدة. ولعل أبرز ما يميز قدراته التصويرية هو تقديمه لصور مبتكرة وغير تقليدية.

  وقد وظف التراث في شعره رغم أنه  كان يعيش روح العصر، لأنه كان يولي اهتمامًا كبيرًا للتراث العربي القديم في استخدام الصور، ويتعامل مع الرموز والمفردات القديمة، ويجعلها تتناغم مع الحداثة، ما يعطي قصائده طابعًا غنيًا، اضافة لامتلاكه قدرة على تصوير المشاعر، وكانت من أبرز سمات شعره، سواء كانت مشاعر حب أو حزن أو غضب أو أمل، فإنه كان يستعمل ألوانًا وصورًا متعددة ليمثل الحالة الشعورية التي يعيشها.

  لقد اعتنى النقاد بشعر عبد الهادي عباس وأشادوا في دراساتهم العديدة بالجوانب المضيئة ، بدءًا من لغته الشعرية، ونجاحه في تجسيد الأصالة والحداثة في آن واحد، وأنه استطاع أن يكون أحد الشعراء الذين قدموا صورة متميزة للشعر العراقي المعاصر، وأنه ترك بصمة واضحة تضعه في مكانة واضحة بين الشعراء المعاصرين.

  لذلك يمكن اعتباره من الشعراء الذين استطاعوا أن يخلقوا توازنًا بين التراث والحداثة في شعرهم، من خلال لغته الشعرية الراقية وقدراته التصويرية الفائقة، واستطاع أن يعبر عن قضايا مجتمعية وإنسانية بأسلوب مميز، وما يعكس شعره من تفاعلات عاطفية وفكرية واضحة.

    ومن بين شعره المعبر عن عاطفة حقيقة ما جاء في مجموعته الشعرية أسئلة الفقد الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، التي ضمت مجموعة من شعره المعبر عن فجيعته برحيل زوجته، ففي هذه المجموعة يتلمس القارئ المرارة التي أحاطت بحياته، وما تركت من آثار مؤلمة في نفسه لم يتمكن من تجاوزها أو التخلص منها إلا باندياح فيض خواطره بصور حزينة تظهر عمق المأساة التي أحاطت بالشاعر، وجعلته يغرق في فيض من العواطف الوجدانية :

هكذا هو في حالة من ضجيج

لماذا يغصّ في محنته حين ينوي الدخول الى بيته

قد تشاكسه خطوات في الطريق

سيكبو وتتركه لائذا

عند باب تجرجره دهشة من انتظار

يعاتبه الوقت حينا.. وحينا يطارده

اين يمضي إذن ؟

قد يلملم ما تبقى من ظنون

ويمضي ، ليكتبه نصا… مثلما ينبغي ان يكون.

وفي قصيدة أخرى يغرق في مأساته ليعبر عن فيض لواعجه، وما يشعر به، فهو لا زال رهين أطيافها التي تأبى مغادرته، وتعيش معه كخيال يؤنس وحدته القاسية، ليغرق في دوار الذكريات بما تحمل من مرارة ولوعة اشتياق:

اشتقت إليها

 لأمسح على رأسها بالياسمين

وأقبل يديها الناحلتين

 ومن فرط دوار يتعبني

 سأكون قريبا منها.

 وتعانقه أطياف الماضي، فتنداح رؤاه لترسم خطوط الذاكرة صور متباعدة ، تلاحقه اينما حل وأنى ذهب، وهو يغرق في متاهات الذكرى، وعوالم لا نهاية لها من الشوق والحنين لأيام مضت ولن تعود:

في بيتي .. العثرات تشاكسني

 وطبول الوقت تلاحقني

 والحيطان ثقوب لنايات

 كنت وحيدا… وأعاشر مخلوقات لا تنتهي

 .. جاءت زائرتي .. وهي تقول.. تعال معي

 إن شئت تعال.. لنؤسس بيتا من أحلام.

أحدث المقالات

أحدث المقالات