في الأيام القليلة الماضية غزت وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من الصور التي يُعتقد أنها تعود لاجتماع جرى فيه الاتفاق على بيع خور عبد الله أحد أهم المنافذ البحرية العراقية إلى دولة الكويت. الصور التي نُشرت دون مصدر رسمي ولا توثيق قاطع أثارت عاصفة من الغضب الشعبي والشكوك حول صحة مضمونها لكنها بالتأكيد فتحت باب التساؤل الكبير: هل خُدع الشعب العراقي مرة أخرى؟ وهل هناك خيانة بحجم التنازل عن السيادة مقابل المال أو النفوذ؟
رغم عدم وجود تأكيد رسمي لصحة الصور فإن التصريحات المتواترة من الجانب الكويتي تزيد من خطورة المشهد. إذ هددت جهات كويتية في أكثر من مناسبة بـ”كشف المستور”، معلنة استعدادها لنشر أسماء شخصيات عراقية – وزراء ونواب – تلقت رشى مقابل تسهيل اتفاقات تتعلق بخور عبد الله. لم تكتفِ الكويت بهذه التهديدات بل صعّدت الأمر بإعلان نيتها نشر تسجيل كامل لجلسة الاجتماع التي تم فيها الاتفاق ما يوحي بوجود تسجيلات صوتية أو مرئية قد تقلب الطاولة على رؤوس المتورطين.
الأسماء التي تتردد في خلفية هذا الملف أبرزها وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري ووزير النقل السابق هادي العامري. إن صحّت هذه الاتهامات فإننا لا نتحدث عن مجرد سوء تقدير سياسي بل عن جريمة تخابر مع دولة أخرى ضد المصلحة الوطنية العليا.
ما يزيد من مرارة هذه القضية أن الشعب العراقي، الذي عانى لسنوات من الحروب والفساد والتهميش يجد نفسه اليوم في مواجهة مؤامرة جديدة تُحاك داخل الغرف المغلقة وبصمت قاتل يُراد لها أن تمر كما مرت صفقات مشبوهة كثيرة قبلاً.
إذا ثبتت صحة هذه الصور أو التسجيلات فإننا أمام ما يمكن وصفه بـ”النهاية السياسية والأخلاقية” لهؤلاء المسؤولين. لم يعد الأمر يقتصر على الاستقالة أو الإبعاد، بل يجب أن يتحول إلى محاسبة قضائية شاملة بتهمة الخيانة والتخابر والإضرار بمصالح الدولة.
أما الصمت الشعبي فهو أمر لا يمكن أن يُفهم إلا على أنه استسلام خطير لما يُراد تمريره من صفقات. على الشعب العراقي بكل قواه السياسية والمدنية والشعبية أن ينهض ضد هذه الجريمة لا فقط عبر وسائل التواصل بل في الساحات أمام القضاء، وفي البرلمان، وفي الإعلام الحر.
لقد كانت ثورات الشعوب دائماً تُشعلها قضايا أقل خطراً من بيع سيادة وطن. فهل سيكون خور عبد الله هو القشة التي قصمت ظهر التنازلات؟ أم سيمر كما مر غيره في ظل انشغال الشعب بلقمة العيش وانعدام الأمل؟
الكرة الآن في ملعب القضاء العراقي والإعلام الوطني، فإما أن يُكتب فصل جديد من الاستقلال والسيادة، أو يُطوى هذا الملف في أرشيف الصفقات السوداء التي لطالما خنقت العراق وأطفأت نوره.