في باريس .. هل استطاع الشرع انتزاع ما كان يُريده من ماكرون ؟

في باريس .. هل استطاع الشرع انتزاع ما كان يُريده من ماكرون ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

في زيارة إلى “باريس”؛ أول واجهة أوروبية، ذهب الرئيس السوري؛ “أحمد الشرع”، للقاء الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، أكد الثاني أن بلاده مُلتزمة بتطلعات الشعب السوري، وأن “أوروبا” لا زالت داعمة له وأن “فرنسا” تدعم انتقالًا سلميًا تضمن استقرار “سورية” وسيّادتها، وطالب “الشرع” بمحاكمة المسؤولين الذين ارتكبوا مجازر بحق الأقليات في “سورية”.

وفي تعليقه على الزيارة؛ قال الصحافي “عطا فرحات”، من “الجولان”: “على ما يبدو؛ الرئيس ماكرون، وضع النقاط على الحروف وقال علنًا؛ خلال المؤتمر الصحافي، إننا مُلتزمون بتطلعات الشعب السوري وليس الحكومة السورية، ما يؤكد أن أوروبا حتى هذه اللحظة داعمة للشعب السوري وليس لحكومة الشرع”.

كما أكد “ماكرون” أن “فرنسا” تدعم انتقالًا سلميًا يضمن استقرار “سورية” وسيّادتها، مؤكدًا أنه أبلغ “الشرع” أن عليه حماية جميع السوريين وملاحقة المسؤولين عن أعمال العنف، ويُشيّر هنا إلى ما حدث في “الساحل وجرمانا وصحنايا والسويداء”، مشددًا على أن هناك مجازر ارتكبت ويجب محاكمة المسؤولين عن الجرائم في “سورية” حتى لو كانوا من المسؤولين في الحكم، وهو نفس الطلب الذي طلبته “الولايات المتحدة”، ويبدو أن “فرنسا” عرضت نفس الشروط الأميركية. وقال “ماكرون” أيضًا لـ”الشرع”: “سنلاقيك في وسط الطريق؛ إذا واصلت السّير في اتجاهنا”.

“الفوضى” بديل “الجولاني” !

وعن تأكيد “الشرع” للمفاوضات الغير مباشرة مع “إسرائيل”؛ علق “فرحات”: “الشرع أبلغ الوفود التي زارته أنه لو حاولت أي جهة العمل على إنزاله من سدَّة الحكم في دمشق ستُعم الفوضى، وعلى ما يبدو بدأ وجه الجولاني يظهر بالتهديد بالفوضى، حيث إن فكرت أي دولة؛ إن كانت إسرائيل أو الولايات المتحدة أو غيرها، بإنزال الشرع من سدَّة الحكم، ستُعم الفوضى، لذلك تقدم نحو إسرائيل وقال إنه يُريد علاقات جيدة مع إسرائيل ويُريد علاقات جيدة مع جيرانه”.

وأشار “فرحات” إلى المطالبات الإسرائيلية من “الشرع”؛ إبعاد الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تُعتبرها “إسرائيل” بأنها تُشكل خطرًا عليها وتتواجد في المناطق التي تحتلها “إسرائيل”، والتي عمل “الشرع” على إخراجها من “سورية”، لافتًا إلى مطالبات إسرائيلية بأن يقوم “الشرع” بإبعاد فصائل مقربة منه تعتبرها “إسرائيل” تُشّكل خطرًا عليها، وتعتبر تسوية هذه القضية خطوة نحو التوصل إلى اتفاق مع “إسرائيل”.

وأشار “فرحات” إلى تذمر كبير في المدن السورية؛ والتي تُعتبر داعمة لـ”الشرع”، من الوضع الاقتصادي والفصائل التي يصفها هو نفسه بأنها غير منضبطة ولا تسمع كلامه، ولا تقف إلى جانبه.

المصالح الفرنسية تتحكم..

ورأى مصدر رفيع في حديث لصحيفة (النهار)؛ أن الرئيس السوري؛ “أحمد الشرع”، ترك انطباعًا لدى “باريس” بأن حديثه مع الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، اتسم بالجدية والمصداقية والفعالية في ما يُصّرح به.

لكن المصدر أكّد أن الجانب الفرنسي: “لا يبّني توقعات على أوهام؛ ولن يُعطي شيكًا على بياض، وماكرون كان شجاعًا باستقبال الشرع والتحاور معه رغم معارضة اليمين واليمين المتطرف في الداخل، وتحفظ بعض المقربين من الرئيس عن استقباله، وأيضًا امتناع اليسار الفرنسي عن تأييد أو إصدار أيّ موقف عن اللقاء”.

ومع ذلك؛ يقول المصدر إن: “ماكرون مدَّرك أن لفرنسا مصالح كبرى في سورية ومهتمّة باستقرارها، وأنّ الشرع آتٍ من مجموعات راديكالية؛ لكنه تغيّر الآن وهو يُمارّس السلطة”، مضيفًا أنّ: “الشرع مدَّرك أن سورية تُعدّ ما بين (60) و(70) في المئة من السنّة، لكنه يعرف أيضًا أنه لا يمكن الحكم دون باقي المكوّنات”.

ولاحظ المصدر الفرنسي؛ إدراك “الشرع” أن عليه أن يأخذ في الاعتبار الأكراد وباقي المكونات، وأنّه شرح ذلك بشكلٍ جيد وبدا أكثر ارتياحًا وانفتاحًا في حواره مع “ماكرون”.

رفع العقوبات..

ويبحث “ماكرون” عن إيجاد توافق مع شركائه الأوروبيين لرفع “العقوبات الأوروبية” عن “سورية”؛ لأن التصويت في “الاتحاد الأوروبي” يتطلب إجماعًا، لذلك لا يكفي أن تقول “باريس” إنها تُريد رفع العقوبات لكي يتم ذلك، إنما يجب العمل على إقناع آخرين مثل “هنغاريا”.

أما بالنسبة لـ”العقوبات الأميركية”؛ فقد استبّعد المصدر أن يتم رفعها عن “دمشق”: “لأن هذه الإدارة ليست مهتمة كثيرًا بسورية لكي تخوض معركة في الكونغرس من أجل رئيس آتٍ من تنظيم (القاعدة)؛ وتُدافع عنه وترفع العقوبات”.

ولكن في موعد تموز/يوليو؛ من المفترض أن تتخذ إدارة الرئيس؛ “دونالد ترمب”، قرارًا بشأن تمدّيد الإعفاء المؤقت من بعض “العقوبات الأميركية” على “سورية”، الذي كانت أقرته إدارة الرئيس السابق؛ “جو بايدن”.

واستبعد المصدر الأخبار المتداولة عن احتمال لقاء “الشرع”؛ بـ”ترمب”، في “السعودية”.

إلى ذلك؛ أكد أن “ماكرون” سلّم “الشرع” خرائط الانتداب الفرنسي التي تُظهر الحدود “السورية-اللبنانية”، لأنه كما قال في مؤتمره الصحافي ينوي مساعدة البلدين على ترسيّم الحدود بينهما.

يتعامل كـ”راعٍ” لحل شامل !

ويقول الخبير الفرنسي في السياسات الشرق أوسطية؛ “جان كريستوف نوفال”، والباحث في “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية”؛ (IRIS)، في حديث لـ (العين الإخبارية): إن ماكرون “بهذه العبارة يوجه رسالة مزدوجة: داخليًا، بالالتزام بخطاب حقوق الإنسان الشامل، دون تميّيز بين الطوائف أو الفصائل. وخارجيًا، بإرسال إشارة إلى الحكومة الانتقالية السورية وأنصارها من تركيا، مفادها أن فرنسا لم تُعدّ ترى الصراع السوري بصيغة أبيض وأسود”.

“نوفال”، أضاف: “العبارة تحمل أيضًا تلميحًا إلى القلق الفرنسي من استمرار التهميش الذي يتعرض له بعض مكونات الشعب السوري، سواء من أنصار النظام السابق، أو الحالي أو الأكراد”، مشيرًا إلى أن “ماكرون” يُحاول أن يتمّوضع “كراعٍ محايد لحل شامل، لا كطرفٍ منحاز”.

وتابع: “رسالة ماكرون هي اعتماد نهج أكثر احتواءً، يضع المواطن السوري في قلب الاهتمام، بصرف النظر عن انتماءاته السياسية أو الطائفية”.

تُحاول استغلال الفراغ الدبلوماسي..

فيما يرى “فريدريك بيشون”؛ الباحث المتخصص في الشأن السوري، أن لقاء “ماكرون” مع “الشرع”: “يعكس تحولًا في السياسة الفرنسية تجاه سورية”، مشيرًا إلى أن الرئيس الفرنسي سّعى؛ من خلال هذا اللقاء، إلى: “لعب دور الوسيّط في إعادة إعمار سورية، خاصة في ظل تراجع الدور الأميركي بالمنطقة”.

ويعتبر “بيشون”؛ في حديث لـ (العين الإخبارية)، أن “فرنسا” التي تُحاول استغلال الفراغ الدبلوماسي لتعزيز نفوذها، اتخذت خطوة نحو الانفتاح الدبلوماسي، لكن ذلك قد يكون على حساب مبادئها وقيمها.

ويرى الباحث المتخصص في الشأن السوري؛ أن: “هذا اللقاء قد يكون خطوة نحو إعادة بناء العلاقات مع سورية”، محذرًا: “من تجاهل ماضي الشرع المرتبط بجماعات متطرفة، مما قد يُثّير تساؤلات حول مصداقية فرنسا في مكافحة الإرهاب”.

يرتد سلبًا على صورة “باريس”..

وتابع: “يبقى السؤال المطروح: هل يمكن لفرنسا أن توازن بين مصالحها الاستراتيجية ومبادئها الأخلاقية في تعاملها مع الملف السوري ؟”.

إلا أن المؤرخ والمتخصص في الشرق الأوسط؛ “جان بيير فيليو”، رأى في حديث لـ (العين الإخبارية)، أن: “هذا اللقاء سيرتّد سلبًا على صورة باريس”، مضيفًا: “ماكرون يُغامر بشّرعيته السياسية داخليًا، ويُضعف الموقف الأخلاقي لفرنسا خارجيًا”، على حد قوله.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة