نشر صاحبنا على صفحته : (( مراهق يقول  :ازاعل الدنيا من تزعل , وارضيها اذا تقبل

واظل طول العمر اسأل احبك ليش ما ادري )) , ينسبها لمراهق , ولا يعترف انها حالات نمر بها , حتى نحن الذين نعيش عقدنا الثامن , يستلها من أغنية (( من تزعل ))  لرياض أحمد , التي تحمل في طياتها الكثير من المشاعر الإنسانية العميقة , والأسرار التي يخفيها الحنين تحت جنحه , وألزعِلَ شاهدا على تقلبات طّقْسُ الحب , فلا حقول فِرْدَوْسيّة , مادامت الأيام تشبهُ غيبوبة وميتة سريريا , ولا أحد سوى العشاق من يرون ِالجزء المخفي من السماِء , حتى وأن أغلق باب القلبِ بقسوةِ حبيب , فمن يغفر ؟ وكل مرة يبدو الزعل ٍإيذانا بالرحيلِ النهائي .

المطرب الراحل رياض احمد تجربة فريدة بالغناء , وحنجرة مدربة على اداء اصعب المقامات , صوت شجي ومبتكر وله اسلوبه الخاص فرضه بقوة موهبته , انطلق ذاك الصوت النقي من بصرة العراق , من بساط تنومة شط العرب , مابين نخيلها وقصبها البردي , وملوحة مائها , تدفق ينبوع من جداول انهارها ليسقى شجرة غرست , فاثمرت من غصنها صوت شجني طربي جميل , ليغرد عليها ذاك المحبوب الاسمر رياض احمد , ومن لا يعرف ذاك الصوت العذب , الذي يبكينا ويفرحنا في أن واحد , يتمايل الورد المعترش على الشباك مع صوت المغني , ويمد ذراعيه على اتساع ضوء القمر , كأنهما جناحان يريدان الطيران به , ((من تزعل توحشني الدنيا واتصور غيرت اضنونك , من ترضى يظل شوق البيه يذوبني بنظرات اعيونك )) , وغناها باحساس عميق لأنها تعني له.شي خاص به , ومن كتبها له الشاعر طاهر سلمان ولحنها جعفر الخفاف , وشاع صيتها بين الجمهور عام 96  عندما غناها في مهرجان بابل الدولي , ونالت اعجاب الجميع لهذه اللحظة , واعتبرتها الاغلبية بصمته الخالدة , لقد ابدعوا في صياغة تقديمها بعفوية جنونية هادئة وقاتلة , هذه الاغنية الكبيرة , التي ظلت راسخة في وجدان المستمع العراقي ,

 

ايها الجنوبي , الذي تاه في أَزِقَّة المدن , تبدو عديم الحيلة ومكتوف الأيدي , وايقنت ان الحياة في المدينة عديمة اللون , ولا وجه ثابت لها حتى في المرآةِ ,ليأتي بعد رحيلك كل هذا الزعل المتكرر , لتركض وقلقك غير قادر على ترويضه ؟ فمَا الْعَمَل ؟ والْحُبِّ قدر مَكْتُوبٌ  , منذُ الأَزَل , (( بس حبك قدري المكتوب تدري شكد حملني ذنوب , كم مره تبعد واغفرلك ؟ متكلي اليغفر كم مره كم مره ؟ , طبعك صاير صاير مره ومره )) , يزعل الوطن الحبيب , بعد رحيلك يا رياض أحتل البلاد المغول يعاونهم لصوص و سفلة وقطاع طرق ورجال عصابات و بغايا , قالوا انهم حاملين اوامر الكهنوت على الرماح , و بمراسيم جديدة البسوا الوقت عباءة سوداء , وقالوا أن الغِناء من اعمالِ السحرة والشياطين  , وعندما يغضب الحبيب , تبدأ رحلة المواطن في متاهات المشاعر الإنسانية , ليبدأ بتحليل بسيط لكلمات الأغنية التي تتحدث عن الزعل , ثم تتوسع في استكشاف طبيعة الزعل بين الأحبة , هل هو تعبير عن الشوق؟ عن الخوف من الفقدان؟ عن الحاجة إلى الاهتمام؟ يربط المواطن ذلك بتجارب إنسانية , حول كيفية التعامل مع غضب المحبوب ( الوطن ) .

من تزعل, لوحة فنية ترسمها كلمات رياض أحمد عن عواطف القلوب , ولتحليل العلاقة بين الشوق والزعل , واستكشاف معنى الزعل في سياق الحب , يدفعنا للبحث بين نار الشوق ولهيب الزعل , في جدلية المشاعر في أغنية (( من تزعل )) ,حيث تركز أفكار الأغنية بشكل كبير على الشوق الذي يعقب الزعل , وكيف أن الزعل قد يكون في بعض الأحيان وسيلة غير مباشرة للتعبير عن الشوق والحاجة إلى المصالحة والاقتراب , ويمكن أن تكون فكرة الزعل بمثابة اختبار حقيقي لقوة العلاقة بين شخصين , كيف يتعامل الطرفان مع هذا الغضب ؟ هل يسعيان للمصالحة والتفاهم ؟ أم يؤدي الزعل إلى فتور وبعاد ؟ لبيان أثر ذلك على أهمية الحوار والتسامح في العلاقات ,ليمكنك أن تتساءل: هل يزيد الزعل من قيمة الوصال؟

البعد الإنساني الشامل للزعل , ليس فقط للعشاق: (( من تزعل )) , وصدى الغضب في العلاقات الإنسانية المختلفة ,ويمكن أن تتوسع فكرة الزعل لتشمل مختلف أنواع العلاقات الإنسانية , بين الأصدقاء , بين أفراد العائلة , وحتى في العلاقات مع الوطن , وكيف يختلف التعبير عن الزعل , والتعامل معه في هذه السياقات المختلفة , وهل تحمل أغنية (( من تزعل )) رسائل عامة حول أهمية تجاوز الخلافات ؟ وظنا ان الزعل يركب دراجته الهوائية بانتظارِ تبديل اضويه المرور, وعندما تهتف بضعة نوارس , يصير صوت الحبيب مطرا , يسقط على غابة ِالروح لغاية الفجر , وبنبرة اعْتِذار من بصريِ ليس على مايرام , يحمل ُملامح قَمَرا(( خجولا )) تحجبه غيوما (( عابسات )) , وأنت تسمع المغني يردد : (( أحبك ليش ما أدري , مره أسأل عيوني مرة عيوني تسألني , أحبك ليش ما أدري ,  لا انت اول ما صار , ولا انت اخر ما صار, ازعل الدنيا من تزعل , وارضيها اذا تقبل , عشت كل العمر أسأل , أحبك ليش ما أدري )) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات