همسة :

(( اما والذي ابكى واضحك والذي امات واحيا والذي امره الامر

لقد تركتني احسد الوحش ان ارى اليفين منها لا يروعهما الذعر)) .

أبو صخر الهذلي و هو عبد الله بن سَلْم السَّهْمي أحد بني مُرْمِض , شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية توفي سنة 80 للهجرة , وأما , استفتاحية ومقدمة وطليعة لليمين , والواو بعدها للقسم : أى وحق الذي أبكى وأضحك حقيقة , وهو يكرركلمة ( الذي ) , للتفخيم والتهويل , ويعبر عن تجلد في الهوى وادعى اللذاذة به , حتى استزاد من أجزاء الجوى الحاصله له , على أن ما في البيت من اختلاف الأفعال الداخلة في الصلات جعل الكلام أحسن , والتفخيم أبلغ , وجواب القسم (لقد تركتني)  , وفاعل تركتني ضمير المرأة المستكن فيه , والمعنى: أنى إذا تأملت الوحوش وهي تأتلف في مراعيها ومتصرفاتها اثنين اثنين , لا يفزعها رقيب , ولا يدخل فيما بينها تنفير , حسدتها , وتمنيت أن تكون حالتي مع صاحبتي كحالها في ألافها.

وقصيدته الرائية , من أجمل الشعر الغزلي , وكانت تدرس في مادة الأدب ,  ويروي صاحب ألأغاني قصة الخليفة المهدي مع هذه القصيدة , وكيف شق ثيابه طربًا عند سماعها ,  ولأبي صخر كثير من القصائد الطويلة والمقطعات القصيرة , وشهرته بالغزل شهرة عريضة , وتظهر على أسلوبه ملامح البادية واضحة جلية , كما تظهر فيه اللوعة والحسرة لفراق المحبوب , ويروى أنه كان يهوى امرأة من قضاعة مجاورة فيهم , ويقال لها : ليلى بنت سعد , وتكنى أم حكيم , وكانا يتواصلان برهة من دهرهما , ثم حدث أن تزوجت , ورحل بها زوجها إلى قومه.

ومن هذه القصيدة لأبى صخر: (( لليلى بذات الجيشِ دارٌ عرفتُها وأخرى بذات البَين آياتُها سطر )) , وذات الجيش, وذات البين , موضعان , ويمضي الشاعر فيقول : (( فما هو إلا أن أراها فُجاءةً فأَبْهت لا عُرف لديَّ ولا نُكر , وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتُها كما قد تُنَسّي لبَّ شاربِها الخمرُ )) , ومن أجمل الأبيات في القصيدة البيت التالي , وذلك للصورة الجمالية الحسية فيه : (( تكاد يدي تندى إذا ما لمستها وينبت فى أطرافها الورق النَّضر)) ,مما يذكر ببيت الزجل المشهور في العامية : (( على دلعونا وعلى دلعونا مطرح ما مشيتْ ينبت ليمونا )) , ولنمض مع الصورة الحركية التي لا بد من تخيّلها : (( وإني لتعروني لذكراكِ هِزة كما انتفض العصفور بلله القطر)) , وقد وردت في الأغاني(( فَترة )) , بدل هِزّة , بينما وردت في ((الخِزانة )) للبغدادي بفتح الهاء , فالهَزّة هي الحركة , والهِزّة بالكسر هي الخفة والطرب , ورويت في مصادر أخرى (( رِعدة )) , فهل شاهدتم عصفورًا ينفض ريشه بعد أن ابتلّ , أرأيتموه وهو يهتز , فبمثل هذه الهزة يرتعش الشاعر لذكرها ولذكراها.

(( عجبت لسعي الدهر بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر)) , وقوله ((عجبت لسعي الدهر)) يجوز أن يريد به سرعة تقضّي الأوقات مدة الوصال بينهما , وأنه لما انقضى الوصل عاد الدهر إلى حالته في السكون , وهذا على عادتهم في استقصار أيام السرور واللهو , ونحن نذكر طرَفة وقوله (( وتقصير يوم الدَّجن )) , ويجوز أن يريد بـ ( سعي الدهر) , سعاية أهل الدهر وإيقادهم نار الشر بينهما بالنمائم والوشايات , وأنه لما فترت أسواقهم بالتهاجر الواقع منهما , وارتفع مرادهم فيما طلبوه من الفساد بينهما ,سكنوا , ففي هذا المعنى الحاصل : كما أراد بسعي الدهر سعى أهل الدهر,  كذلك أراد بسكون الدهر سكون أهل الدهر , فحذف المضاف , وجعل المضاف إليه بدلاً منه.

يضيف القالي في أماليه:   (( وأنشدني أبن أبى أُوَيس : (( فيا حب ليلى قد بلغتَ بى المَدى وزدتَ على ما ليس يبلغُه الهجر , ويا حبَّها زدني جوى كل ليلة ويا سَلوة الأيام موعدُكِ الحشر)) , وزاد أحمد بن عبيد: (( فيا حبذا الأحياءُ ما دمتِ فيهم ويا حبذا الأمواتُ ما ضمَّك القبر)) , وذكروا أيضا هذه ألأبيات :  (( هَجَرْتُكِ حتّى قيل لا يَعْرِفُ الهوى وزُرْتُك حتى قيل ليس له صبر..! فيا هجرَ ليلي قد بلغتَ بِيَ المَدى وزِدتّ على ما لم يكن بَلَغ الهجر !ويا حبَّها , زِدْني جَوىً كل ليلة ,ٍ ويا سَلوةَ الأيّامِ , مَوْعِدُكِ الحَشْر..!)) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات