هناك من نشر : (( لقطةعابرة , والعاقل يفهم :  في الدول النامية او النائمة الناس لا يفتحون افواههم بقناعة وبهدوء الا عند طبيب الاسنان )) , وهي حالة معروفة سهّلت للفاسدين واللصوص السيطرة على عقولنا وتفكيرنا , لأن صمت الأفواه المفتوحة , أصبح وصفة الفساد في الدول النامية , ففي أروقة الحياة اليومية بالدول النامية , يندر أن ترى أفواهًا تُفتح بقناعة وهدوء إلا أمام طبيب الأسنان , مشهد مألوف , لكنه يحمل في طياته دلالات أعمق بكثير من مجرد فحص روتيني , هذا الصمت الاختياري , هذا الانكفاء عن التعبير الحر والصادق , يخلق فراغًا خصباً يستغله الفاسدون واللصوص للسيطرة على عقولنا وتفكيرنا , هذه الحالة ليست قدرًا محتومًا , بل هي نتاج تراكمات من القمع السياسي , والهشاشة الاقتصادية , والضعف المؤسسي , حين يشعر المواطن بأن صوته لن يُسمع , أو أنه سيدفع ثمنًا باهظًا مقابل إبدائه لرأيه , فإنه يلجأ إلى الصمت كآلية دفاع , لكن هذا الدفاع يتحول تدريجيًا إلى سجن يقيد الفكر ويشلّ الإرادة.

نفتح أفواهنا مجبرين عند طبيب الأسنان , مستسلمين لأدواته , واثقين بأن الألم المؤقت سيؤدي إلى عافية دائمة , لكن في ساحات الحياة العامة , نختار الصمت خوفًا , أو يأسًا , أو ربما اعتدنا على همس الحقائق في الظلام , هذا الصمت ليس بريئًا , إنه يمنح الطفيليات الاجتماعية فرصة النمو والازدهار في غياب المساءلة والنقد البناء , وحين نصمت عن قول ( لا ) في وجه الظلم , وحين نتردد في المطالبة بحقوقنا , وحين نغمض أعيننا عن التجاوزات , فإننا نفتح أفواهنا طواعية للفاسدين لكي يملأوها بالأكاذيب والوعود الزائفة , ويصبح عقلنا أرضًا خصبة تُزرع فيها بذور التضليل , وتُروى بماء الخوف واللامبالاة , إن كسر هذه الحلقة المفرغة يبدأ بفتح الأفواه بوعي ومسؤولية , لا نقصد هنا الصراخ والعنف , بل الحوار الهادئ والقائم على الحقائق , والمطالبة بالشفافية والمساءلة , ونشر الوعي بأهمية المشاركة الفعالة في بناء مجتمعاتنا.

يفتحونها عند البسملة والحوقلة , ولا يخضع الإنسان إلا إذا توفر في ذهنه الآليات اللازمة لذلك , وعندما تكون قوة المكابح أقوى من قوة الدفع , فأننا سنبقى في الزمن ذاته , ومن شروط الخضوع والركوع والقبول بالذل , أن يكون لديك الاستعداد النفسي والعقلي المسبق لهذا الأمر, يبدأ الخضوع من البيت , من الكبت , من الإشارات المسبقة التي تؤدي إلى هنا , لهذا نقول علموا أولادكم حب الحرية , حب الحياة والطبيعة , لا تعلموهم الخضوع لأي كائن أو رمز , فلا يوجد وراء الرمز إلا الوهم , والعقلانية هي المخرج الوحيد للانفصال عن أرثنا الطائفي والديني , ولإرساء قيم الاعتدال والتوازن , والانتقال إلى مفهومي العدالة والحق , وعدا ذلك كذب وضحك على الذقون , قد يكون الأمر مؤلمًا في البداية , كألم وخز إبرة الطبيب , لكنه ضروري لاستئصال جذور الفساد , حين نفتح أفواهنا للتعبير عن آرائنا ومخاوفنا وآمالنا بصدق وثقة , فإننا نخلق مناعة جماعية ضد التضليل والاستغلال , فلنتذكر دائمًا أن الأفواه التي لا تُفتح إلا عند طبيب الأسنان هي أفواه مغلولة عن قول الحق , وعقولها بالتالي عرضة للسيطرة , الطريق إلى التغيير يبدأ بجرأة النطق , وبتحويل صمت الخوف إلى قوة بناء.

نشير دون ان نفتح فمنا , انه حين يحتسي الجا.سوس البريطاني كنعان مكية الشاي الأن ويستمتع بوقته في لندن هل يتذكر وصفه الشهير للصواريخ الأمريكية والغربية التي بدأت تتساقط على بغداد والمدن العراقية وتقتل العراقيين في 2003 حين قال : (( انها اجمل سمفونية يمكن ان تسمعها اذن بشرية فهي كأجراس تقرع للتحرير )) , في حين أنظروا أجابة ابو الحسن بني صدر أول رئيس أيراني علماني بعد سقوط الشاه حين سأله محاور قناة الـ BBC , حول التيار العلماني الذي كان قويًّا في بداية الثورة الإيرانية : (أنتم العلمانيون كنتم أقوياء في بداية الثورة , لماذا لم تنقلبوا على الخميني؟) فأجاب بني صدر إجابة لافتة قائلاً : ((إن الحرب العراقية الإيرانية كانت مستعرة , ووجدت قوى المعارضة أن مصلحة بلادنا أهم من الأشخاص الذين يحكمون)) , أي إن المعارضة فضّلت مصلحة البلاد على مصالحها السياسية , ولم يرغب أي منهم في أن يطعن بلده من الخلف في الوقت الذي كان يخوض فيه حرباً , لا اعلم مدى صدق ما قاله الرجل لكنني وجدت ذلك الموقف موقفاً مسؤولاً.

شيء عجيب يحدث في هذا البلد , ثروات مهولة دخلت الوطن بفضل النفط لا بفضل العقول التي تحكم هذا البلد , يقابلها فساد طاغٍ يتصدر العراق فيه قائمة الدول الأكثر فساداً , هكذا أصبحت المعادلة كونها أصبحت من الطبيعيات عند العراقيين , والرجولة كنز ثمين لا يعرفه الا القليلون , فكل النساء تلد ذكورا , لكن المواقف وحدها من تصنع الرجال , ليس كل من يطلق عليه اسم رجل فهو رجل ,  فكلمة الطير تجمع بين الصقر و الدجاجة ,  أن تولد ذكرا فهذا قدرك لكن ان تكون رجلا فهذا من صنعك انت , وعزيزُ النفسِ كالخيل , يحزن ولا يبوح , يُخذل ولا ينكسِر , وكأنّهُ فارسٌ خُلِق لِيُحارب وحدهّ دائِما , كان أمل الأستاذ طه حسين أن يحتذي منهج الصحابي سعد بن أبي وقّاص الذي قال خلال الفتنة : (( لا أقاتل حتى تأتوني بسيف يعقل ويبصر وينطق فيقول : أصاب هذا وأخطأ ذاك)) , فقال طه : (( أنا أريد أن أذهب مذهب سعد وأصحابه رحمهم الله , لا أجادل عن أولئك ولا عن هؤلاء )) .

يقول الزهيري : (( ياليل وين الصبح ياليل ملينا , كاس الأمل من دموع العين ملينا , دنيـاتنا فايـنه والصــد ملـيـنــــا , لما علينا أقبلت ظلمات ساعدنا , شاب العذر منها ونحل ساعدنا , يارب ياجابر المكسور ساعدنا ,  إذا لم تكن يا إلهي أنت من لينا )) .