كيف نصنع جيلاً قارئاً في زمن الشاشات الإلكترونية؟

كيف نصنع جيلاً قارئاً في زمن الشاشات الإلكترونية؟

في عصر التكنولوجيا الحديثة وتدفق المعلومات، وفي زمن تتسارع فيه وتيرة الإلكترونيات، نجد أن الشاشات الإلكترونية قد غزت بيوتنا ومكاتبنا ومعاملنا، وها هي اليوم تدخل في جيوبنا الخاصة، وقد حفظت في طياتها برامج تعرف كل تفاصيل حياتنا اليومية. إننا نواجه اليوم كمجتمع كان بالأمس القريب محاطاً بعاداته وتقاليده وطبائعه الخاصة، والنظام الأسري والمجتمع الذي كان يفرض نفسه بكل إيجابياته وسلبياته. وفي ظل هذا التزاحم وتسارع وتيرة تواجد الشاشات الإلكترونية بيننا، وما يواجه المجتمع من مخاطر، يطرح السؤال نفسه: كيف نستطيع أن نصنع جيلاً محافظاً ومنظماً بأوقاته؟ وكيف لنا أن نبني من هذا الجيل قارئاً جيداً في ظل كل هذه الهيمنة الموجودة لدى سلطة الأجهزة الذكية وكل ما تحمله معها من وسائل الترفيه الرقمية؟ لقد أصبحت معدلات القراءة الورقية قليلة جداً، ولولا الكتب المدرسية والملزمات الجامعية لأصبحنا في عالم تسوده القراءة الإلكترونية في كل شيء. الطامة الكبرى أن انعدام القراءة الورقية ليس بين جيل الشباب والأطفال والمراهقين، وإنما حتى بين أجيالنا نحن كبار السن. ومع ذلك، ما زلنا نطالب بغرس حب القراءة في نفوس الجميع، وأن نجعلها هدفاً ضرورياً حتى نستطيع العودة إلى ذلك الكتاب الورقي بكل فوائده المعرفية.
إن زرع مفهوم القراءة الورقية يأتي من الأسرة في المقام الأول، باعتبارها البيئة الرئيسية التي يعتمد فيها سلوك الطفل على كل ممارساته الحياتية. فعندما يرى الأبناء آباءهم وأمهاتهم يحملون ذلك الكتاب الورقي بعنوانه الكبير ويتحدثون عن ما يحتويه من فصول مهمة، سوف تجد عندها أن شوق القراءة سوف يعود إلى هذه الأجيال الجديدة، وربما سوف يخصصون وقتاً خاصاً لهم، وهذا بحد ذاته مكسب، لأن حب التقليد والاهتمام بالكتاب الورقي منذ الصغر يعتبر تنمية لعقول هؤلاء الأطفال والشباب.
وربما هناك من يسأل: لماذا نحول هذه الشاشات الإلكترونية إلى أعداء لأبنائنا القراء الذين يتابعون حتى دروسهم عن طريقها؟ ولماذا لا نحفزهم ونشجعهم عليها؟ والجواب: نعم، وهذا موجود وواضح، فأغلب الكتب المقروءة أصبحت اليوم تحت مسميات الكتابة الإلكترونية، ولا يوجد أي فارق بين مفاهيم وكلمات ذلك الكتاب. وإذا ما استخدمنا تلك الكتب الإلكترونية، فإننا نعود إلى عالم القراءة، عالم الفائدة العامة، وهذا مكسب أدبي مهم استفدناه من تلك الشاشات الإلكترونية. فالكثير منا اليوم يقوم بتعليم الأطفال القصص المصورة البسيطة وأسماء الحيوانات وأسماء الفواكه والخضروات عن طريق هذه الشاشات، وتجد تقبل الطفل لها بصورة طبيعية.
إن خلق أجواء بيئة طبيعية للقراءة الورقية يبدأ من غرفة الطفل، والمطلوب من أفراد العائلة أن يضعوا مكتبة صغيرة بألوان جذابة، ويقوموا بترتيب كتب الأطفال بطريقة سلسة حتى يستطيع هذا الطفل بمفهومه الطفولي أن يتعامل معها ويتعلق بكل مفرداتها، خاصة إذا ما عودناه على القراءة كمتعة وليس كأمر أو واجب كواجباته المدرسية. وهنا تلعب المدارس أيضاً دوراً كبيراً في ذلك من خلال تشجيعها لمسابقات مثل مسابقة القراءة الأسبوعية أو الشهرية أو الثانوية، ومسابقات التحدي في القراءة. كذلك يجب أن يكون أحد المعلمين مسؤولاً عن جانب مهم، وهو جانب تبادل الكتب والقصص بين الطلاب، وإقامة يوم خاص لهم للقصة ضمن مادة التربية الفنية، ويوم خاص للقراءة، وأن تكون هناك جوائز وهدايا تشجيعية.
يجب أن يقوم كل معلم ضمن مادته الدراسية بتقديم كتاب تكون مفرداته نفس المادة التي يقوم بتدريسها، وتقديمه كهدية في عيد ميلاد الطالب. كذلك على إدارة المدرسة أن تقوم بزيارات دورية للمكتبات المتوفرة والقريبة من مدارسهم، وأن يضعوا أيضاً برنامجاً خاصاً لحضور معارض الكتاب العالمية الموجودة بالقرب منهم.
ختاماً، إننا مطالبون بأن نصنع جيلاً جديداً من القراء في زمن هذه العولمة الإلكترونية، زمن الشاشات. إنها مهمة ليست مستحيلة، ولكننا بحاجة إلى وعي وتعاون واضح بين العائلة والمدرسة، وأن نبني جيلاً جديداً يحب القراءة ويتابعها بعيداً عن صيغة الأمر. حينها نستطيع أن نقول إننا صنعنا جيلاً جديداً للقراءة.