زعم الكثير من الزعماء سواء كانوا لدول او إمارات أو مشايخ , انهم سيفعلون كذا وكذا من الأفعال العظيمة , إلا انهم لم يقدموا الدليل على ذلك , ومن هؤلاء ; مسيلمة الكذاب الذي ادّعى النبوّة , لكنه لم يأت بمعجزة او دليل على نبوته , لذلك سمي بالكذاب , وعبد الله بن ابي سلول وهو من قادة الخزرج , الذي زعم النصرة للنبي محمد (ص) , إلا انه خان وتآمر سرّآ ولم يثبت صدقه على ارض الواقع , وهناك الكثير من وارثي الحكم الأموي ,
الذين كانوا يزعمون انهم تولوا حماية الدين والشريعة , ولكنلاشيء من ممارساتهم اليومية قادت الى الخير سواء للدين أوللناس على حد سواء , بل عملوا بما يتناقض مع تعاليم واركان الدين , كشرب الخمر واللهو والعبث مع الجواري , والغزو من دون اوامر من عند الله او رسوله , وهذا مافعله , ايضآ , العديد من القادة والحكام في عصرنا , الذين كانوا بحق نماذجآ للحكم الفردي والدكتاتوري القمعي الواعد بالعدل والحرية والمساواة , لكنهم جذبوا خراب الحروب وحفروا المقابر الجماعية لشعوبهم في بلدانهمبدلآ عن العدل والحرية .
أما على الطرف الآخر , نجد هناك قادة عظام وعلى رأسهم , بالطبع , النبي محمد (ص) نفسه , ورجال دين ورؤساء دول , مثل نيلسون مانديلا , ويليه المهاتما غاندي , ورؤساء قبائل ووجهاء وادباء ومفكرين , القنوا الأذهان دروسآ في إدارة شؤون الدولة والمجتمع , بغاية اخلاقية سامية , ومن هؤلاء الأدباء الذين دافعوا عن حياض الأوطان , ووقفوا مع شعوبهم في المحن ; امير الشعراء احمد شوقي ,
وشاعر النبي (ص) حسان بن ثابت الذي دافع عنه بالرد على شعراء قريش , حتى خاطبه الرسول يومآ قائلآ : اهجهم ان روح القدس معك … (عن الإمام احمد ) , وهناك الشاعر همام بن غالب المعروف بالفرزدق البصري الذي وقف مع اهل البيت في لحظة تأريخية مشهودة وهو يعرّف ويمدح الإمام زين العابدين في موسم للحج , موجهآ ابيات قصيدته الى اسماع الخليفة الأموي هشا م بن عبد الملك ,
والشاعر الفرزدق في جانب من فقهه العربي , ذهب الى قوة الشعر وبالحجة التي اتاحها التأريخ في التعامل مع نصرة اهل البيت في عهد كانت الخلافة الأموية قد وضعت القيود على حريّة التعبير وبخاصة في تمجيدهم , إذ ان حكام بنو امية كانوا يمنعون نقل الأحاديث حتى عن النبي وعن اهل بيته , ومن يفعل غير ذلك يقع في الإتهام كمعارض ضد الحكم الأموي , إلا ان الشاعر كان له عذره ان يعرّف الخصال الزكية للإمام امام الخليفة , وهو الحدث الذي مثل الإنفجار بإعلان أحقية اهل البيت في الحكم , وظل دوي هذا الإنفجار عاليآ , لا يطمس , بالذاكرة التأريخية , وفي التراث الأدبي العربي المشهود الذي وقف لأهل البيت الكرام والى يومنا هذا .
من هنا تظهر اهمية العالم والشاعر والكاتب في وقفتهم مع الحق والدفاع عن القيم والأخلاق , فيؤسسون لوحدهم جبهات مواجهة مع الباطل , وهذا ماقام به الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش , فملأ دواوينه بالشعر المقاوم وبالمواقف المشرفة للشعب الفلسطيني الحر , والشاعر الكبير والفذ المتنبي الذي رفع من شأن القيم العربية في الشجاعة والكرامة والمروءة , وما وقفته مع الأمير سيف الدولة الحمداني , إلا دليلآ على شرف الموقف العربي الذي سجّله نبيلآ بأجمل واروع الأبيات الشعرية لتفخر به العرب الى يوم الساعة :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صممُ
واخيرآ , مثلما يفعل الجندي الباسل في تصديه للقوى المعتدية التي تريد غزو البلاد او العبث في سيادته و مقدراته , إذ انالعشيرة او القبيلة لوحدها تعتبر قوى كسيحة من دون سجلللعالم والشاعر والمفكر , عندما يفتح ليحمل اسمائهم ومواقفهم , وهم يبرهنون بالدليل المرئي والمسموع , انهم ماكانوا صامتين على محن بلدانهم , بل ناطقين بلسان حال شعوبهم , كذلك السلطة الحاكمة فهي لوحدها , لا تردع الطامعين والمعتدين والمارقين المتجاوزين ,
من دون ان يتعاضد محور الفقهه العلمي والثقافي المتعدد والسياسي المتعدد مع بعضها بالمواقف في ايام المحن , إذ لا يمكن ان تعاد الأمور الى نصابها , اما تعطيل هذا التعاضد وترك السلطة الحاكمة لوحدها ليمارس عليها الضغوطات , فذلك يعني تحطيم ذلك المحور على ايدي الأعداء , لتصبح البلاد عرضة للتقسيم والتفكيك , وما وقفة الفرزدق إلا مثالآ على وفاء الأديب لأهله وقومه مهما تسلّط الأعداء , وقد قيل قديمآ على لسان الشاعر جرير :
دعوا الجبن يا اهل العراق فإنما
يباح ويشرى سبي من لايقاتل
والشاعر معنيٌّ بالقتال مع شعبه قبل ان يباح تفكيكه وبيعه بالكشف عن نماذج عبد الله بن سلول وابو رغال الذين ذكرهم التأريخ وكانوا مثالأ على الخيانة وبيع الدين والأوطان قبل فوات الآوان .