100 يوم عاصفة مرت على “أميركا” والعالم على يد “ترمب”.. فماذا يفعل في باقي ولايته ؟

100 يوم عاصفة مرت على “أميركا” والعالم على يد “ترمب”.. فماذا يفعل في باقي ولايته ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

لم تكن الـ (100) يوم الأولى للرئاسة الأميركية الحالية تقليدية كسابقتها؛ بل كانت عاصفة على يد الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، فاعتبرت صحيفة (وول ستريت جورنال)، أن “ترمب” يحتاج إلى: “إعادة ضبط شاملة لإنقاذ ما تبقى من سنوات رئاسته من صدمات اقتصادية وهزات في السياسة الخارجية، أطلقها بنفسه”.

وتوضح الصحيفة أن “ترمب” يتحرك على جبهات عدة؛ وحقق بالفعل بعض التقدم، فتوسّعُه في إنتاج الطاقة الأميركية يسيّر بنجاح، كما أنهى أزمة الحدود سريعًا، وتراجع عن بعض تدخلات الحكومة الفيدرالية.

وتُضيّف الصحيفة الأميركية؛ أن “ترمب” انتُخب لمواجهة تجاوزات اليسار في قضايا المناخ والثقافة والرقابة، وهو يُنفذّ ذلك بالفعل.

لكن في ملفات أخرى؛ لم يرقَ التنفيذّ إلى مستوى وعوده، قانون الكفاءة الحكومية جاء محمومًا وغير واضح النتائج، فيما حقق “ترمب” انتصارات رمزية فقط بعض القضايا الأخرى، دون تغييّر جوهري.

خلل في القضايا الشعبية..

وأما في القضايا الشعبية؛ فتُظهر إدارة “ترمب” خللًا في التعامل، فمثلًا تسبب قضية الجامعات جدلًا كبيرًا.

وتقول الصحيفة؛ إنه على الرُغم من أن الجامعات مثل (هارفارد) تحتاج إلى إصلاح جذري، لكن فرض مناهج أو التدخل في تعييّن الأساتذة، يقوّض حرية التعبير ويُهدّد بهزيمة قضائية للإدارة الأميركية.

كذلك؛ ورُغم أهمية ترحيل المجرمين، فإن حرمانهم من الإجراءات القانونية والتلاعب بالمحاكم سيُفسّد جهود التنفيذ.

أزمة الرسوم الجمركية..

أما على صعيد الرسوم الجمركية؛ فترى الصحيفة الأميركية أنها قد تُطيّح برئاسته، فـ”ترمب” انتُخب للسيّطرة على التضخم وزيادة الدخول الحقيقية، بينما الرسوم الجمركية تفعل العكس، إذ ترفع أسعار السلع المستّوردة وتُنذّر بنقص في السلع والمكونات للشركات والمستهلكين.

وتُعدّ هذه الرسوم أكبر صدمة اقتصادية منذ انسحاب “ريتشارد نيكسون” من “اتفاقية بريتون وودز”؛ عام 1971، وهو ما فجّر موجة تضخم أطاحت بولاية “نيكسون” الثانية.

وتداعيات الرسوم لا تقتّصر على الداخل الأميركي، فالهجمات العشوائية على الحلفاء والخصوم زعزعت الثقة العالمية بموثوقية “الولايات المتحدة”.

ووصف “كين غريفين”؛ المستثمر والمانح الجمهوري، ذلك بأنه: “ضربة ذاتية” للعلامة التجارية الأميركية، معتبرًا أن “الولايات المتحدة” تتنازل: “بلا داعٍ” عن قيادتها الاقتصادية.

هدية للصين..

بالمقابل؛ تستغل “الصين” هذا الفراغ بتقوية علاقاتها مع حلفاء “واشنطن”، عبر تقديم نفسها كحليف أكثر موثوقية، ما سيُعقّد جهود بناء تحالف تجاري لوقف الممارسات الاقتصادية الصينية.

ووصفت الصحيفة؛ رسوم “ترمب” الجمركية، بأنها: “هدية حقيقية” للرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”.

لكن هناك مؤشرات على أن “ترمب” بدأ يُدرك مخاطر الرسوم الجمركية. فقد تحدث عن احتمال إبرام نحو: (200) صفقة تجارية، وألمح إلى إمكان خفض رسومه الجمركية البالغة: (145%) على الواردات الصينية.

يُعيّد فرض سياسة “الضغط الأقصى”..

وفي السياسة الخارجية؛ تبدو ولاية “ترمب” الثانية قيّد التشَّكل. فهو يسّعى لاستعادة السيّطرة على الممرات البحرية، ويُعيّد فرض “الضغط الأقصى” على “إيران” بشأن برنامجها النووي، ما يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا.

لكن مصدر القلق الأكبر يبقى سعي “ترمب” الأحادي لتحقيق السلام في “أوكرانيا”، فحتى نهاية الأسبوع، لم يوجه انتقادات لـ”فلاديمير بوتين”، بينما ضغط على “كييف” لتقديم تنازلات قد تُعرّضها لمزيد من العدوان مستقبلًا.

انعكاسات خطيرة..

وترى صحيفة (إيكونوميست)؛ أن انسحاب “بايدن” من “أفغانستان” دمّر الردع الأميركي، وأن أي كارثة في “أوكرانيا” ستؤدي للنتيجة نفسها بالنسبة لـ”ترمب”، مع انعكاسات خطيرة على “إيران وكوريا الشمالية” وطموحات “الصين” في “المحيط الهاديء”.

وحذّرت من ألا يُفاجأ أحد إذا قررت “الصين” انتزاع “جزر تايوان” أو فرض حصار جزئي، إذ سبق أن قال “ترمب” إنه سيّرد على مثل هذا الاستفزاز برسوم جمركية، لكنه يستخدم هذه الورقة أصلًا دون جدوى.

وفي قلب هذا الحراك؛ ينقسّم المراقبون بين من يرى في “ترمب” قائدًا يُعيّد “أميركا” إلى جوهرها، ومن يتوجس من مشروع يُعيّد تشكيل الديمقراطية الأميركية من الداخل.

يُفرض واقع جديد..

فيرى الخبير الاستراتيجي الجمهوري؛ “جيك نوفاك”، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على (سكاي نيوز عربية)؛ أن ما قام به “ترمب” خلال هذه المئة يوم ليس مجرد استعراض سياسي، بل: “تطبيق دقيق لخطة استعادة السيّطرة على مفاصل القرار الأميركي”، مضيفًا أن الرئيس: “بدأ من حيث انتهى خصمه، فاستهدف تفكيك السياسات الاقتصادية والضريبية والمناخية التي اتبعها بايدن، وركّز على خلق بيئة استثمارية تُعيّد الثقة لأسواق المال الأميركية”.

ويُوضح “نوفاك”؛ أن “ترمب” لا يعتمد فقط على القرار التنفيذي، بل على: “إعادة تشّكيل النُخب”، من خلال تعيّين شخصيات موالية في مواقع استراتيجية. ويؤكد أن هذه الخطة تهدف إلى: “إحكام السيّطرة على الدولة العميقة، وتحيّيد خصومه ضمن المؤسسة ذاتها التي حاولت عزله سابقًا”.

في هذا السيّاق؛ يُشيّر “نوفاك” إلى أن “ترمب” يُدير “البيت الأبيض”: كـ”غرفة عمليات سياسية واقتصادية”، يهدف من خلالها إلى فرض واقع جديد يجعل من معارضته أمرًا مكلفًا سياسيًا وشعبيًا.

يضع الديمقراطية في مأزق..

أما الخبير الاستراتيجي الديمقراطي؛ “إيريك هيوي”، فيرسم صورة أكثر قتامة، ويذهب إلى القول إن: “ترمب لم يدخل البيت الأبيض كرئيس لكل الأميركيين، بل كقائد لمعركة شخصية ضد النظام”.

ويُضيّف: “هو يُهاجم القضاء، يضغط على الإعلام، ويُغذي نظرية المؤامرة، ليُعيّد إنتاج لحظة السادس من كانون الثاني/يناير، ولكن من داخل مؤسسات الدولة”.

ويُحذر “هيوي” من أن “ترمب” يستغل الشرعية الانتخابية لإضعاف قواعد اللعبة الديمقراطية ذاتها، عبر ضرب استقلالية السلطة القضائية، والتشكيك الدائم في نزاهة الانتخابات، والتحريض المستمر ضد خصومه السياسيين.

ويقول: “المئة يوم الأولى تكشف عن رئيس يُريد أن يحكم دون معارضة، وهذا تهديد وجودي للجمهورية الأميركية كما نعرفها”.

يُفاوض العالم بلغة الداخل..

في قراءة جيوسياسية أكثر شمولًا؛ يرى الكاتب والمحلل السياسي؛ “محمد قواص”، أن “ترمب” يُعيّد تشكيل السياسة الخارجية الأميركية من زاوية غير تقليدية، قائلًا: “هو لا يتعامل مع أوروبا كحليف، بل كخصم تجاري. ولا يرى في الصين شريكًا محتملًا، بل تهديدًا دائمًا. ويُفكر في الشرق الأوسط كخريطة صفقات، لا استراتيجيات طويلة المدى”.

ويرى “قواص”؛ أن “ترمب” يربط بين الداخل والخارج بطريقة مباشرة، موضحًا أن قراراته المتعلقة بالهجرة، أو الانسحاب من الاتفاقيات، أو العقوبات، كلها تُصّاغ بلغة الداخل الأميركي.

يُعيّد تشكيل التحالفات براغماتيًا..

أما “حسن المومني”؛ مدير مركز (الدراسات الاستراتيجية) في الجامعة الأردنية، فيُشيّر إلى أن السياسة الأميركية لم تُعدّ مفهومة بالمنطق التقليدي.

ويقول: “ما نشهده اليوم هو تحوّل واشنطن من لاعب دولي متّزن إلى لاعب مصلحي شرس، لا يتردد في التخلي عن الحلفاء أو تغييّر المواقف جذريًا دون مقدمات”.

ويُضيّف “المومني”: “ترمب يُعيّد تشكيل التحالفات الدولية على أسس براغماتية شديدة، ويستخدم أدوات الضغط الاقتصادي والعسكري كأوراق تفاوض دائمة، سواء مع الصين، أو مع الحلف الأطلسي”.

ويختم بالقول: “العالم يتعامل الآن مع رئيس أميركي لا يمكن التنبؤ بردود فعله، وهذا بحد ذاته عنصر اضطراب يُربك موازين القوى”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة