أنتهت مرحلة الانتخابات وبمشاركة 12 مليونا و432 ألفا و499 ناخبا ، وبنسبة مشاركة بلغت 60% بالاستناد إلى سجل الانتخابات وبحسب الإحصائيات التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات ، ونحن اليوم ننتظر إعلان النتائج النهائية للانتخابات ، لتبدأ مرحلة جديدة وهي انعقاد أول جلسة للبرلمان ، والتصويت على رئيس البرلمان ومن ثم يصار إلى التصويت على رئيس الجمهورية ، والذي بدوره سيكلف صاحب الكتلة الأكبر في تشكيل الحكومة القادمة ؟!
وهنا ننقل تساؤل الشارع يا ترى من هي الكتلة الأكبر ؟ وهل هي الكتلة التي حصلت على أعلى الأصوات أم الكتلة التي تحصل على اكبر عدد من النواب ؟
أذا قلنا أن الكتلة الأكبر هي التي تحصل على اكبر عدد من الأصوات فمن حق دولة القانون اليوم تشكيل الحكومة ، لأنها حصلت على أعلى الأصوات بعدد مقاعد 90 مقعداً أو أقل ، وهنا نثير تساؤلنا أذن لماذا لا يسعى السيد المالكي لا تشكيل الحكومة منفرداً دون التحالف مع أي مكون من مكونات ” التحالف الوطني ” الذي ولد بلا تحالف ؟!
اليوم وبعد أن اتضحت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، كَثُر الحِراك السياسي للكُتل الفائزة في الانتخابات ، وعُقدت العديد من الحوارات وربما وصل بعضها إلى التفاوض ، من أجل تشكيل التحالفات القادمة ، التي يتم من خلالها، الوصول إلى اتفاقات سياسية تقود إلى تشكيل الحكومة المقبلة، وتوزيع المناصب الرئاسية الثلاثة (رئيس مجلس النواب، رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء)، والتي متى ما تم الاتفاق عليها، ستظهر الملامح الرئيسية للحكومة القادمة ، ومن سيكون رئيسها. ولكن هناك تساؤل يٌفرض علينا الإجابة عنه حول شكل الحكومة المقبلة، هل ستكون حكومة استحقاق انتخابي فعلاً، تشكل من قبل الكتلة الفائزة بأغلب الأصوات، أو من قبل الكتلة الحاصلة على أكثر عدداً من الأصوات أو المقاعد بعد الائتلاف فيما بينها، أم أن الحال سيبقى على ما كان عليه في ظل الحكومة السابقة، فيكون تشكيل الحكومة الجديدة محكوماً بالتوافقات السياسية، بعيداً عن الاستحقاقات الانتخابية، فنكون أمام حكومة توافقية ؟أم أن الحكومة المقبلة ستذهب نحو الأغلبية السياسية والتي دعى إليها السيد المالكي .
إن الإجابة على هذا التساؤل يحتاج، إلى استقراء الساحة السياسية ، خصوصاً مع التقارب الكبير في الأصوات بين الائتلافين اللذان يشكلان التحالف الوطني .
طُرح مفهومان في الآونة الأخيرة ، مفهوم ” الأغلبية السياسية ” الذي يعد السيد المالكي من المتبنين لهذا المفهوم هو وفريقه ، كما طرح مفهوم آخر هو مفهوم ” شراكة الأقوياء ” وقادة هذا المفهوم هو رئيس المجلس الأعلى السيد عمار الحكيم وفريقه ، والمفهومان صحيحان ، ويمكن أن ينفذا ، ولكن في كل واحد منهما الإيجاب والسلب .
السيد المالكي في الأغلبية السياسية يسعى إلى شراكة الشخصيات وليست المكونات ، فهو يسعى من خلال هذه الأغلبية كسب الشخصيات في داخل الكتل ، وهذا الشي فيه من الخطورة الشيء الكبير ، لان الحكومة القادمة ستكون محكومة بالتوافقات ؟! ، كما أن هولاء الشركاء سيكون لهم شروط للشراكة وتحقيق الأغلبية ، وبذلك ستكون دولة القانون أسيرة هولاء المتصيدين !! ، ولكن الشيء الايجابي في الأمر أن هذه الشخصيات كثيرة في العملية السياسية ، واغلبهم يسعى إلى أن يكون له مكان في هذه “الطبخة” مما يؤدي إلى الإسراع في هذه الأغلبية وتشكيلها ، كما أن البعض الآخر يسعى الإبقاء على مركزه في السلطة لهذا سيقدم التنازلات من أجل الامتيازات والسيارات المصفحة والحمايات والنثريات وغيرها من امتيازات قدمت في تشكيل الحكومة السابقة .
المفهوم الآخر الذي تبناه السيد الحكيم أنطلق أبعد من ذلك بكثير ، وبالعدد الذي يملكه اليوم والذي يقارب (65) نائباً مع التيار الصدري ، يمكن له أن يسير نحو تشكيل الحكومة وتقديم مرشح الائتلاف إلى الفضاء الوطني ، خصوصاً وان السيد الحكيم لا ” فيتو ” عليه ، أي انه مقبول داخلياً من جميع الكتل ، وإقليميا وربما دولياً ، ولكن بنظرة تحليلية إلى موقف الحكيم ، لا اعتقد أنه يهتم كثيراً لمنصب رئاسة الوزراء ، بقدر السعي الواضح من خلال الخطب والبيانات سعيه وحرصه إلى بناء التحالف الوطني ، في حين أن دولة القانون ذهبت إلى تشكيل تحالفات بعيداً عن التحالف الوطني ، وقدمت مرشحاً دون الرجوع إليه ، وهذا ما لم يعمد إليه السيد الحكيم ، بل سعى إلى ترصين بناء التحالف الوطني ، وإعادة هيكلته ، وإعادة بناء النظام الداخلي ليكون مؤسسة قادرة على النهوض بالواقع المزري الذي يعيشه الشعب العراقي .
مفهوم الشراكة تعني أشراك المكونات التي حصلت على الأرقام العالية والفائزة في الانتخابات ، فبدأ في التحالف الوطني فتعَثر في عقدة كبيرة أسمها ” دولة القانون ” ويبدو أن الأخيرة الرجل اليمنى في التحالف الوطني واليسرى تسعى إلى جمع الأصوات والانطلاق منفرداً نحو تشكيل الحكومة ؟! ، وهذا الجانب السلبي في هذا المفهوم ؟
ثم من الجانب الآخر المكونات الأخرى والتي تمثل الطيف العراقي جميعاً ، اليوم تسعى إلى لملمة صفوفها ، وتشكيل حكومة قادرة على النهوض على الأقل بواقع ناخبيها ومناطقها ومدنها ، وعلينا الاعتراف أن العراق لا يمكن أن يقاد من طرف واحد ما لن تشترك به كل الأطراف ، وهذا تؤكد عليه دائماً المرجعية الدينية في بياناتها وخطبها من على منبر الجمعة في الصحن الحسيني الشريف ، كما أن الواقع السياسي اليوم يفرض علينا هذه الوجوه لأنها تمثل طيفها ولونها ، فالشيعة هولاء ممثليهم ، وكذلك السنة لهم من يمثلهم وكسب ثقتهم ، ناهيك عن الأكراد الذين احكموا سيطرتهم على الوضع السياسي ، وأصبحوا رقماً صعباً في المعادلة السياسية .
هناك جانب ثالث في هذا الأمر ، هو القراءة الخاطئة من قبل الجمهور لمفهوم الشراكة أو شراكة المكونات ، التي لم تقرأ هذا المفهوم جيداً ، حيث اعتبره البعض أنه شراكة او تحالف مع داعش ، أو تسليم العراق للأكراد ، أو التحالف مع الإرهاب ، كما أن الشريك الآخر “دولة القانون ” لم يقصر في التشويش على هذا المفهوم ، فأثار الكثير من الشبهات والإشكاليات وكسب الجمهور من خلال هذه الاتهامات ، وكان قصة الانبار تعود إلينا من جديد ؟!
على جمهورنا أن يعلم أن الإرهاب وتحالفه البعثي موجود حتى في الدوائر الرسمية ، ولدينا الكثير من الأرقام حول عدد البعثية الموجودين في دوائر الدولة الأمنية والاستخبارية ، وإلا من يقوم العمل الأمني اليوم أليسوا ضباطاً وقيادات فرق في الجيش السابق ، ومنهم من شارك في قمع الانتفاضة في التسعينات من القرن المنصرم ، ثم الحكومتان الحالية والماضية ممن تشكًلت الم تتشكل من هذه الكتل والقوائم التي يعترض عليها اليوم دولة القانون والسيد المالكي ؟! أذن ما الذي حصل وتغّير الموقف يا ترى ؟!
يبقى على الشركاء في دولة القانون قراءة الواقع السياسي جيداً ، والسعي بجدية عالية من أجل حلحلة موقفهم المتصلب تجاه مرشحهم “المرفوض” من غالبية الكتل ، والسعي نحو بناء التحالف الوطني ويكون هو صاحب القرار الفصل في المرشح لرئاسة الوزراء ، والانطلاق نحو بناء عراقاً جديداً نراه يقيناً وليس فرضيات ونظريات أحرقت المليارات بلا واقع .