الواقع الريفي في العراق: بين التحدي والآفاق

الواقع الريفي في العراق: بين التحدي والآفاق

يُعتبر الريف العراقي بكل ألوانه ومفرداته من أهم ملامح الهوية الوطنية العراقية، إذ يُعد العمود الاقتصادي الأهم بالنسبة للزراعة والحياة الاجتماعية، وهذا متوارث منذ آلاف السنين. ورغم كل المتغيرات التي تحدث في واقع البلدان وعلى مر العقود الماضية، إلا أن الريف ما زال يحتفظ بنكهته وطابعه الأصيل الذي يعبر عن صمود الإنسان العراقي، وخاصة أبناء الطبقات الفلاحية أمام كل المتغيرات السياسية والاقتصادية التي حدثت في العالم في عصره الحديث.
ورغم أن الريف العراقي قد واجه تحديات كثيرة خلال العقود الأخيرة، مما سبب له تراجعًا في المستويات العامة لمعيشة العوائل، وخاصة في مجال الخدمات الزراعية والتغير المناخي الذي حصل في العالم وفي الشرق الأوسط خاصة، وهذا يُعتبر من أبرز العوامل التي ساهمت في هذا التراجع، يضاف لها الإهمال الحكومي الذي يُعتبر شبه متعمد أحيانًا نتيجة السياسات المتخبطة في اقتصاد البلد. أضف إلى ذلك الهجرة الكبيرة التي يعيشها أبناء الريف بتوجههم إلى السكن والعيش في المدن الكبيرة بسبب قلة فرص العمل وما يرافقه من فقر شديد ومشكلات البطالة في القرى والأرياف، والتي أصبح بعضها شبه خالية من شبابها بسبب هذه الهجرة. وفي السنوات الأخيرة أيضًا، أصبحت النزاعات المسلحة وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في الأرياف أحد العوامل الرئيسية.
وعلى الرغم من كل هذه المشاكل التي تواجه المجتمعات الريفية، إلا أنه ما زال محتفظًا بنكهته وروحه المميزة، وما زالت العادات والتقاليد مثل الكرم والتضامن الاجتماعي والارتباط المصيري بتراب الأرض. وما زال قسم من السكان يعتمدون بشكل رئيسي على الزراعة، سواء الزراعة الحديثة منها كعمل المرشات وغيرها، إضافة إلى تربية المواشي وممارستهم لبعض الحرف التقليدية. ورغم قلة الدعم المالي وعدم وضع خطط مدروسة من قبل الدولة، وتغير المناخ والتصحر في بعض المناطق التي نلاحظها.
المطلوب لتحصين واقعنا الريفي في العراق من الدولة أن تضع خطط استراتيجية كاملة تشمل إعطاء الأولوية للبنى التحتية للريف ودعم الفلاحين بقروض ميسرة، ودعمهم أيضًا بالتقنيات الزراعية الحديثة، وذلك من خلال تقديم يد المساعدة لهم والخبرة لإنشاء مشاريع تنموية صغيرة يستطيعون من خلالها خلق فرص عمل محلية لهم. وكذلك التركيز على التعليم وتشجيعه من خلال القيام بتأسيس معاهد وجامعات في المناطق الريفية شرط أن تكون بعيدة عن الأراضي الخصبة الزراعية، والاهتمام بالقطاع الصحي وكافة الخدمات الأساسية في القرى والأرياف. وهذا ربما يشجع العودة الطوعية لأبناء هذه القرى وإعادة زراعة أراضيهم والاستفادة من محاصيلها في دعم القطاع الاقتصادي العراقي العام.
وأخيرًا، علينا أن نفكر أن الريف العراقي بأراضيه الواسعة ليس مجرد مساحات جغرافية، بل إرث ثقافي وتقاليد وقيم يجب الاهتمام بها لأنها تُعتبر جذور العراق وهويته، ولا يمكن لنا بناء عراق مزدهر دون أن يكون الريف جزءًا أساسيًا من هذا الواقع.

أحدث المقالات

أحدث المقالات