وردت في أحد التقارير الأخبارية حول دعوة وزير الخارجية السعودي نظيره الإيراني لزيارة السعودية، العبارةُ التالية:
“.بين القوتين الإقليميتين المتنافستين اللذين يبدو صراعهما على النفوذ جليا في عدة صراعات في أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
كثيراً ما يتم خلط الأمور وتضييع معالم الموضوع أو “الجريمة”، عن غير قصد أوعن قصد وهو الأرجح، يتم عن طريق ذكر الجزء الظاهري وإهمال ما يختبئ تحت أو وراء الظاهر(1).
يمثل المقتبس أعلاه إحدى هذه الحالات البريئة مما يقتضي التعمق والتوضيح.
أعتقد أن الصراع بين السعودية وإيران تمكن صياغته بعبارات أدق وأكثر صراحة وأكثر علمية كما يلي:
كان النظام السعودي منزعجاً أصلاً من إشعاعات الثورة الإسلامية الإيرانية على الداخل السعودي الشمولي من ناحيتين: ناحية الإُضطهاد الذي يمارسه الوهابيون على أبناء الطوائف الأخرى بضمنها الطوائف السنية غير الوهابية، وناحية دعم القضية الفلسطينية دعماً حقيقياً مبدئياً بدأت بشائره ومؤشراته يوم حملت الجماهير الإيرانية سيارة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على الأكتاف حتى مبنى سفارة فلسطين في طهران الذي كان مقر السفارة الإسرائيلية التي أغلقت وسحب الإعتراف.
إستغلت الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية ذلك الإنزعاج لأهدافهما فدفعتا النظام السعودي نحو الصراع مع إيران.
غير أن هذا “الإنزعاج” تضاعف وإنقلب إلى “رعب” بعد نجاح الديمقراطية العراقية لأن النظام السعودي كان على يقين أن إشعاعات هذه الديمقراطية سوف تدفع الشعب السعودي، المتمرد أصلاً بدرجة ما، إلى مزيد من التحدي والمطالبة بحقوق الإنسان والديمقراطية. هذا بدوره سوف يضاعف من نقد منظمات حقوق الإنسان العالمية للنظام السعودي وشموليته بكيفية مباشرة أو غير مباشرة عبر الضغط على الحكومات الغربية وبالأخص الحكومة الأمريكية، المحتضنة للنظام السعودي، للضغط، بدورها، على ذلك النظام والتخفيف من شموليته وتخلفه خاصة في عصر العولمة وسيادة حقوق الإنسان من جهة ومن جهة أخرى قرب تحرر أمريكا وأوربا من إبتزاز النفط السعودي بعد توفر مصادر جديدة للطاقة ومن بينها إرتفاع إنتاج النفط العراقي وهو سبب آخر لحقد النظام السعودي الشمولي المتخلف على العراق الجديد.
خلاصةً، وبناءً على ما تقدم ، شن النظام السعودي، مدعوماً من أمريكا وإسرائيل وبعض الحكومات العربية الدكتاتورية، حرباً طائفية في المنطقة لعزل إيران والعراق وتخريب الديمقراطية العراقية عن طريق دعم الإرهابيين والطغمويين(2)، كما تدخل النظام السعودي عسكرياً لضرب الثورة الديمقراطية في البحرين.
وهذا يفسر دور النظام السعودي المستميت لتدمير الدولة السورية عن طريق تمكين الإرهاب هناك كي ينتقل هذا الإرهاب، بعد تمكنه وبكامل ثقله المدعوم خارجياً، إلى لبنان وضرب المقاومة هناك ومن ثم إلى العراق كي ينضم إلى الإرهاب الموجود أصلاً لتدمير الديمقراطية ومن ثم إلى إيران وصولاً إلى محاصرة روسيا والصين وصولاً إلى إفشال مشروع دول البريكس.
وما جرى ويجري في الأنبار هو وجه من أوجه هذا النشاط.
لم يتحقق هذا الحلم السعودي الأمريكي الإسرائيلي بكامل أبعاده بسبب صمود الشعب العراقي ثم السوري المدعوم من روسيا والصين وإمتناع العراق عن المساهمة في هذه المؤامرة الكبرى ضد سوريا، وبسبب تزايد قوة الإرهابيين في سوريا لدرجة أنه بدأ يثير القلق داخل أمريكا ودول الإتحاد الأوربي نفسها. لذا توقف الدعم العسكري اللامحدود للإرهاب في سوريا، رغم معارضة الحكومات السعودية والقطرية والتركية، وإقتصر على دعم تكتيكي معنوي أساساً وعسكري ثانوياً هدفه الإمعان في تدمير النسيج والبنى التحتية السورية، لصالح الأمن الإسرائيلي، قبل قيام النظام السوري بدحر الإرهابيين.
وهذا يفسر تحرك أمريكا لتجهيز العراق بالأسلحة والعتاد الذي حجبته لفترة غير قصيرة رغم قيام العراق بتسديد تكلفته.
لقد لعب التقارب الأمريكي والغربي عموماً مع إيران وتقدم المحادثات حول ملف إيران النووي – دورَه في تحجيم المشروع السعودي الطائفي رغم محاولات النظام السعودي عرقلة ذلك التقارب عن طريق التعاون مع حكومة اليمين الإسرائيلي ولكن دون نجاح ملموس لحد الآن كما يبدو، إلا لصالح إسرائيل على طريق محاولاتها المستميتة لتصفية القضية الفلسطينية دونما إكتراث من جانب الحكام السعوديين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): لقد طغت هذه الممارسة السيئة أي خلط الأوراق وتضييع معالم المسؤولية، عن قصد، على المشهد السياسي العراقي منذ تأسيس النظام الديمقراطي فيه بقصد التهرب من قول الحقيقة الساطعة والتعتيم عليها، لسبب أو آخر وكلها أسباب غير شريفة. الحقيقة الساطعة هي أن أساس عدم الإستقرار في العراق يتجسد بإصرار الطغمويين على إسترجاع سلطتهم المفقودة بأية وسيلة كانت ومنها التخريب من داخل العملية السياسية والتعاون مع التكفيريين الإرهابيين بصيغة أو أخرى حتى أمسوا بحق الذراع السياسي للإرهاب في العراق الذي يعلن برنامجه دون حياء أو تمويه وهو قتل الشيعة بعد أن جرى تكفيرهم.
(2): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته : “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=96305
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181