تسلل، تسول، تسلق، توسل، …، تسـ..
مفردات تشخص وتسم وتسمي سلوكيات واطئة متدنية مذمومة، تزري بمقترفها ومحترفها، وتهين من يوصم بها وتحط من قدره ان بقي منه “وشالة” -وتسقطه في عيون الاخرين “ان وجد من رسمه شبح”- حتى وان حقق من خلالها اهدافه، وحصل على مبتغاه، ووصل الى مراميه، فهي اقرب ما تكون الى الشتيمة، بل هي السبّة والعار بعينه اذا الصقت بالشخص صدقا او افتراءً.
تبدأ.. بخطوة تتحول الى ممارسة وعادة.. ثم تستفحل فتصير ظاهرة عادية في نظر الكثيرين ممن يعدونها “لواتة وشطارة”… بعد سقوط اخر قطرة!. تشابهت حروفها، وتقاربت سبلها، وتنوعت ميادينها، لكن اهدافها توحدت بشكل كامل خاصة في مجال الوصولية السلطوية. ولعل مفردة “تسلط” جاءت شاملة لامة تامة لخلاصة مسيرة تلك المفردات، وعصارة مركزة لانزيماتها، والعلامة الابرز في لافتتها!.
يلجأ متسول الشارع الى ابتكار اكثر المناظر اثارة للشفقة ولفت الانتباه، مستخدما من مصطلحات التذلل والمسكنة والخنوع اقربها لجلب انظار الناس واستدرار عواطفهم ورحمتهم بغية تحقيق هدف منشود يتمثل بجمع اكبر قدر من المال في اقل واقصر فترة زمنية.
ويتحين المتسلل اندر الفرص، يستغل اعقد الظروف، متحريا عن ثغرة هنا وفجوة هناك.. متسقطا العثرات.. متتبعاً الخطوات متربصا الهفوات، مقتنصا الصدف، مستثمرا الهنات لينفذ ولو من خرم ابرة مخترقا الصفوف -بتواطئ مقنع او بغفلة وعلى حين غرة من البعض او الجميع- لتبدأ دورة تحقيق اهدافه، ويضرع المتوسل متزلفا، مقدما كل فروض الطاعة والخنوع ومسح الاكتاف ومسح الاحذية لنيل رضا الاسياد والحصول على مأرب قد يكون تافها وهو تافه حقيقة قياسا بالثمن المدفوع الذي قد لا يعبأ بتقديمه راضيا مختارا ما دامت الغاية تبرر الوسيلة لديه.
اما المتسلق فيتشبث بكل ما وقعت عليها عيناه، ولامستها يداه من محسوسات، وملموسات متخذا منها سلالم و “بايات” وحبالا للوصول الى مبتغاه بدءا بظهور الاخرين واكتافهم ورؤوسهم وجهودهم وانتهاءا بتحطيم وكسر رقابهم سواءا تمت عملية التسلق او تعثرت.
ويبدو ان بعض المتسلطين -الا من رحم ربي- قد مروا بهذه المفردات اقصد “سلم الدرجات” او ربما مارسوا بعض هذه السلوكيات بشكل او بآخر متخذين منها دورة تدريبية تجريبية، وربما فرضها الهالك على المالك او تطلبتها بروتوكولات الوظيفة حتى صارت امرا مألوفا وقاعدة مبررة -في عالمنا العربي خاصة- لمقولة سيئة الصيت “رجال يخلي بالسلة رقي”!.
بغض النظر عن مصدر وعائدية السلة ونوع الرقي وطريقة الاملاء!.
وسيان فيها الدرجات والمراكز الحزبية او المناصب الوظيفية والحقائب الحكومية. ومن الطبيعي ان يفضلها الكبار وخاصة الذين مروا عبر تلك البوابات ونفذوا من تلك الخروم قبل ان تنتفخ كروشهم وتتضخم رؤوسهم كونها الطريقة المثلى التي تجهزهم باقزام مؤهلين للطاعة، مترعين بالثقة ولا يثيرون المشاكل. وما داموا يسدون فجوة ويملؤون فراغا فلا ضير من جهلهم وضعف ادائهم وقلة امكاناتهم وانعدام مؤهلاتهم.
ولذا ظلت وستبقى الانظمة والادارات وحتى الحركات والهيئات والمؤسسات العربية نمطية متعثرة متخلفة اذا لم تتنبه لهذه الظاهرة المتجذرة، وتحاول معالجتها تدريجيا حتى تقتلعها من الجذور، لانها جرت المزيد من التراجع في الاداء وحافظت على المراوحة في نفس المكان، في جميع مفاصل الحياة وعلى كافة الصعد والمستويات، والاّ فأن الافكار الوقادة، والهمم العالية، والنفوس النبيلة والطاقات المبدعة ستظل مهمشة، مغبونة معطلة كونها لا تجيد فنون التسول والتسلل والتوسل والتسلق، وتحتقرها طريقة وممارسة واسلوبا.
وستحرم من نتاجها الثر اوطانها وشعوبها فيتلقفها المتطلعون لبناء مستقبل اوطانهم وشعوبهم ممن يقدرون العقول ويحترمون الخبرات وينقبون عن المبدعين، وينبذون المتطفلين المتملقين الوصوليين وهذا نابع من ايمانهم الراسخ بان الكراسي زائلة وان مصلحة الاوطان والاجيال فوق كل اعتبار.