في السابق، كتبتُ الكثير عن الاستاذ وديع الحنظل ، رجل الأعمال ورئيس رابطة المصارف الخاصة في العراق ، الذي كان ولا يزال محل تقدير وإعجاب مني ، ومن كثيرين غيري. ثم انقطعت كتاباتي التي توزعت على 11 وكالة انباء وصحف عربية ومحلية لا زلت اكتبُ فيها ، وايضا شملت كتاباتي ردودا على من شاء ان يسيء اليه ، حتى اخرستهم ، وجعلتهم يلوذون في فضاء الخسة والصمت ، رغم عروضهم لاستمالتي ..لكنهم خسأوا .. فالنبيل لا يضعف امام مغريات الحياة الزائلة .
لقد توقفتُ عن ذلك ، لسبب خاص، اذ شعرتُ ان الرجل لا تهمه مواقف الشهامة التي وقفتها ، ربما لانشغالاته ، اوعدم ايصال الكتابات اليه ممن يأتمنهم ، ويعرف زملائي كم تحملتُ بشأن تلك الكتابات التي اعتز بها ، من الغمز والشك الذي لا استحقه .. واكتفيت بموقف المتفرج على نشاطاته التي تسعدني حقاً ، فقد كان الاكتفاء بما يشبه صمت النبلاء الذين يعرفون متى يتكلمون ومتى يصمتون.
لكن، وفي جلسة لم تكن مرتبة، جمعتني به الصدفة عصر يوم امس الاول “الخميس” فإذا بي أراه متحدثًا بشغف لا يدّعي، واهتمام لا يُصطنع، عن مدينة بغداد – لا كما نراها اليوم فقط، بل كما كانت وكما يمكن أن تعود. كان يتكلم ابا عمر بعقلية المهندس المعماري حينًا، والمدني حينًا آخر، وهو يُفكر في البنية التحتية لتراثها، ويستعرض أفكاره بلغة من يعرف حجم التحدي وجمال الهدف.
ما أثار إعجابي – وإعجاب من حضر – ليس فقط ما قاله، بل تلك الروح التي لا تزال تؤمن أن الاستثمار في المدن يبدأ من ترميم روحها، وأن دعم التراث لا يقل أهمية عن دعم المشاريع الاقتصادية. هو لم يكن فقط متحدثًا؛ بل كان مساهمًا وداعمًا وممولًا، يضع ماله حيث يضع قلبه.
لم يكن الحديث فقط ما أثار الإعجاب، بل ما عرفته عن دعم رابطة المصارف الخاصة التي يرأسها ، ومساهماتها المباشرة في هذا المجال. ولم يكتفِ بالتعبير، بل كان جزءًا من الحل، من الفعل، من التحريك الصامت للعجلة التي تراهن على إنقاذ ما تبقى من وجه بغداد الحقيقي.
لقد تحدث عن بغداد، لا كما تُوصف في نشرات الأخبار، بل كما تُرسم في قلوب العاشقين، وكما يحلم بها أبناؤها الصادقون. فهو يُحب تفاصيل المدن، ويعشق خطوطها وأزقتها القديمة، وكأن كل طابوقة في بغداد القديمة تناديه، فيُصغي لها بعين الخبير وقلب المحب.
كان حديثه عن تطوير البنى التحتية في المدينة التراثية لبغداد نابعًا من فهم عميق، ومن رؤية متكاملة، تمتد من احترام الماضي إلى احتضان المستقبل. تحدث عن الهوية، عن الجمال، عن المعمار الذي يروي قصة شعب، وعن التراث الذي لا يقدر بثمن. لم يكن كلامه عابرًا، بل مدروسًا، محمولًا بهمّ صادق، ومبنيًا على خبرة ودراية، أثارت إعجاب الجميع، حتى أولئك الذين لا يعرفونه معرفة شخصية.. فأبي عمر يؤمن أن المدن لا تُبنى فقط بالإسمنت والحديد، بل بالنية الصادقة، والروح التي تحب دون شرط .
اذن ..فمن العدل أن يُقال: هذا الرجل يستحق الإشادة. لا لأننا نعرفه، بل لأن ما فعله ويفعله يستحق أن يُعرف.