السيد مقتدى الصدر وموقفه من الانتخابات: قراءة تحليلية في شجاعة الانسحاب وردّه على رئاسة الجمهورية

السيد مقتدى الصدر وموقفه من الانتخابات: قراءة تحليلية في شجاعة الانسحاب وردّه على رئاسة الجمهورية

في مشهد سياسي عراقي معقد، يبرز السيد مقتدى الصدر كواحد من أبرز الشخصيات المؤثرة، ليس فقط بسبب ثقله الشعبي والديني، بل بسبب قراراته السياسية الجريئة التي كثيرًا ما تفاجئ خصومه وحلفاءه على حد سواء. آخر هذه المواقف تمثّل في رفضه المشاركة في الانتخابات المقبلة، وردّه الحاسم على دعوة رئيس الجمهورية بضرورة إشراك التيار الصدري في العملية السياسية، وهو ما فتح بابًا واسعًا للتحليلات حول دلالات هذا الموقف وتوقيته.

 

السياق السياسي للموقف

تأتي مقاطعة السيد الصدر للانتخابات بعد تراكمات سياسية واجتماعية، خصوصًا عقب احتجاجات تشرين 2019، والتي شكّلت نقطة تحول في المزاج الشعبي العراقي. وبعد الانتخابات المبكرة في عام 2021، التي فاز بها التيار الصدري بأغلبية مقاعد البرلمان، اتخذ السيد الصدر قرارًا مفاجئًا بالانسحاب من العملية السياسية وسحب نوابه الـ73 من البرلمان، احتجاجًا على ما وصفه باستمرار منهج المحاصصة والفساد.

هذا الانسحاب كان أشبه بزلزال سياسي، أخلّ بتوازن القوى في العراق، وخلق فراغًا كبيرًا أعاد تشكيل التحالفات السياسية من جديد، وجعل التيار الصدري أكثر حضورًا وتأثيرًا من خلال غيابه، لا من خلال مشاركته.

 

شجاعة الموقف واستقلالية القرار

ردّ السيد الصدر على دعوة رئيس الجمهورية، برفض المشاركة في الانتخابات، لا يُمكن قراءته إلا في إطار “الاستقلالية السياسية” التي يتمسك بها. فالصدر لا يسعى فقط للفوز السياسي، بل لفرض تغيير جذري في شكل الدولة العراقية، وهو ما يراه غير ممكن ضمن الأدوات التقليدية للعملية الانتخابية الحالية.

وفي الوقت الذي يرى فيه الكثير من السياسيين أن المقاطعة تُعادل العزلة السياسية، يراها السيد الصدر خطوة شجاعة تُظهر موقفًا أخلاقيًا ووطنيًا، مفاده أن “لا مشاركة في مسرحية انتخابية لا تفضي إلى إصلاح حقيقي“.

الأبعاد الرمزية لردّه على رئيس الجمهورية

أن يرد الصدر على رئيس الجمهورية مباشرة، فهذا يحمل رسائل عدة:

·        أن التيار الصدري ليس تابعًا لأي جهة، ولا يتحرك تحت الضغط السياسي أو الرسمي.

·        أن العملية السياسية يجب أن تُبنى على قناعات ومبادئ، لا مجاملات ومناشدات.

·        أن الرئاسة، رغم رمزيتها، لا تملك سلطة التأثير الحقيقي على القرار الصدري ما لم تُصحح المسارات السياسية والمؤسساتية.

 

ما بين المقاطعة والعودة المحتملة

رغم وضوح موقفه، فإن تجارب السيد الصدر السابقة تُظهر أن قراراته ليست نهائية دومًا، بل تُستخدم أحيانًا كأدوات ضغط، أو كمواقف مبدئية قابلة للمراجعة في حال تحقق الحد الأدنى من الشروط التي يطرحها.

لكن الثابت في كل مواقفه، أن الهدف النهائي هو الإصلاح الجذري للدولة العراقية، بعيدًا عن الشعارات، ومن خلال مقاربة “الرفض من الداخل”، و”المعارضة الوطنية البناءة”، التي يحاول ترسيخها في وجدان الشارع العراقي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات