أخي الإنسان تأمل قول الإمام علي بن أبي طالب: “الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق” , فنحن أخوة بالدين ونرفع راية “لا إله إلا الله محمدا رسول الله” التي لا تعلو عليها راية.
فهي الراية الجامعة المانعة , وقلب الدين وعماد العقيدة الإسلامية , وخيمة الإسلام الفسيحة الرحبة , التي تستوعب البشرية لأنها رسالة للعالمين جمعاء.
أخي في الدين وبالإنسانية وبوحدة الخلق , فكلنا من آدم وآدم من تراب.
فلماذا نتمادى بإستثمار المشاعر السلبية وتنمية التفاعلات المؤذية لنا جميعا؟!
الأديان محبة ورحمة وسلام وتعاون على البر والتقوى , وليست تعاونا على الإثم والعدوان. والمذاهب والمدارس في الأديان نور وقوة وتطور , وتواصل مع الزمن ومتغيرات الحياة , وهي رحمة كبيرة وليست نقمة خطيرة.
إنها التقدم الفكري والروحي والمعنوي , والقدرة على تجاوز الزمن وصناعة المُثل والقيم الطيبة في المكان الذي تتفاعل فيه وتنشر رؤاها فوقه.
فما أروع المذاهب والمدارس في الإسلام , وما أعظم إبداعها ورقي تطلعاتها, فهي أعمدة الخيمة الإسلامية الكبرى , وأوتادها التي تنشد إليها , لكي تبقى قوية متماسكة تظلل برحمتها وسماحتها البشرية , التي ترغب إلى الله بأعمالها , وما تقدمه من الخير والإحسان.
يا أخي في الإنسانية وقد خُلقنا من تراب , ونحن إلى التراب سنعود, وسنذوب جميعا في جسد الأرض , فتمتزج ذرات جسدك بذرات جسدي, ونكون جميعا في عالم الأموات , فنتفاعل كما تتفاعل جزيئات العناصر مع بعضها لصناعة مركب ما , وسيكون تفاعلنا مطلقا ومتواصلا ومتأثرا بحرارة الأرض الخلاقة , ومختبرها الترابي المنشغل بالمولودات الجديدة.
فالأرض كائن حي في دوام الصيرورة والتخلق والعطاء , ولديها القدرة على إعادة تركيب الأشياء.
أخي الإنسان نحن هكذا في عالم التراب, فلماذا لا نعتنق الحب والرحمة والود ونحن نسعى فوق التراب؟
لماذا لا نؤسس مجتمعات للمحبة والود بدلا من مجتمعات الكراهية وسفك الدماء؟
لماذا نهبط بإنسانيتنا فنهينها , ونأتي بمسميات وإنتماءات تشوه معانيها الرائعة التي يحبها الله.
فالرسالات السماوية تدعو إلى المحبة وتحارب الأوجاع والآلام.
فلماذا نستثمر ما تنهى عنه وننسى جوهرها؟!
ما أروعك أخي الإنسان وأنت تعتنق كل الديانات وتتكلم جميع اللغات , وتلبس الأزياء المختلفة وتجسّد ثقافات متنوعة تزيد الوجود الإنساني بهجة ومسرة ومحبة.
أخي الإنسان طهّر قلبك من البغضاء والكراهية والظن بالسوء , وتفاعل مع أخيك الإنسان بقلب طيب وروح نقية تتباهى بها السماء.
أخي الإنسان علينا أن نتعلم المحبة لا الكراهية.
فالمحبة فطرة والكراهية نتعلمها.
فالإنسان قد تعلّم كيف يكره منذ القديم , وتواصل التدريب على الكراهية بين البشر , وصار لها مهارات ومدارس وعقائد ومفكرين , ومحطات إعلامية ذات قدرة هائلة على غسل القلوب من بذور المحبة والسلام , وزرعها ببذور الأحقاد والحروب.
لقد تعلمنا حب سفك الدماء واعتبرناه بطولة ومجدا وقوة وتأريخا, وهو جرح في صدر البشرية التي عليها أن تخرج من صناديق العداوة وتفكر بأسلوب آخر , لأنها أمام مفترق طرق , وعليها أن تقرر أما أن نستمر , أو تقضي على نفسها بما تمتلكه من قدرات القتل والتدمير المروعة , والتي لن تبقي شيئا على وجه البسيطة المبتلاة بالشرور الآدمية.
فالبشرية عليها أن تختار ما بين المحبة والكراهية.
الكراهية طريق أسود وتعني الإنتحار الأرضي.
والمحبة الطريق الأمثل لتحقيق الوجود الإنساني الحضاري المتطور , الذي يساهم في التعبير الخلاق والتفاعل الودود ما بين أفراد المجتمع الإنساني.
البشرية بحاجة إلى إعادة النظر في سياقات تفكيرها ومناهجها المبنية على العدوان , وأن تجد طريقها إلى عالم المودة والسلام والتفاعل الرحيم بين البشر.
وما أحوج الأرض إلى مهارات المحبة وسياساتها وإذاعاتها وصحفها وأناشيدها الجميلة الصادحة مع تغاريد الأطيار.
فلماذا لا تكون المحبة بطولة ومجدا.
ولماذا نبقى في عالم القرون الظلماء , ونحسب العدوان والبغضاء والقتل والإمتهان والإستعباد بطولة ونصرا؟!
نعم كلها بطولات النفس الأمارة بالسوء , ونصرها المبين على الفضائل والقيم والمبادئ , التي أرادتها رسالات السماء متألقة في الأرض.
أخي الإنسان المحبة لا غيرها المنقذ الوحيد للبشرية من بركان الأحقاد , وفواجع الحروب المتواصلة والمتعاظمة على مرّ القرون.
ألا تصدقون أن المحبة أرقى الأديان؟!!