16 أبريل، 2025 12:35 م

حادثة المهندس بشير خالد: قراءة في الأبعاد المؤسسية والتداعيات واستحقاقات الإصلاح

حادثة المهندس بشير خالد: قراءة في الأبعاد المؤسسية والتداعيات واستحقاقات الإصلاح

أثارت حادثة المهندس بشير خالد موجةً واسعةً من الجدل في العراق، حيث تباينت الآراء بين مؤيدٍ للضحية واخر لعائلة اللواء عباس ومنتقدٍ لسلوكيات الأجهزة الأمنية… ؛ الا ان الجميع اتفقوا على أن ظواهرَ التعذيبِ والمعاملةِ السيئةِ والمحسوبيةِ والرشوةِ والدعاوى والقضايا الجنائية الغامضة ليست جديدةً على أجهزة الشرطة والأمن، بل رافقتها منذ نشأتها ؛ فهي ليست وليدة اللحظة ؛ وهي سمةٌ شائعةٌ للحكومات والاجهزة الامنية في دول العالم الثالث… ؛ وقد تنبَّه الرأي العام إلى عدة نقاطٍ مثيرةٍ للقلق او الملاحظة ، من أبرزها :

1. تسريب التسجيلات المصورة :

أثار تسجيل فيديو اعتقال المهندس بشير خالد استنكارًا واسعًا، لا لِما احتواه من مشاهد مُذِلّة فحسب، بل لكونه خرقًا صريحًا للقانون الذي يمنع نشر مواد التحقيق… ؛ والأخطر من ذلك ظهور شخصٍ يرتدي الزي المدني داخل الزنزانة، يحاول اقتحامها بأداة حديدية، بينما يصرخ المُعتَقَل مُشكِّكًا في صفته الرسمية… ؛ اذ صرخ المُعتَقَل مُستنكرًا: “أخي، أنت لست شرطيًّا!”… ؛ ولا يزال الغموض يلف هويةَ هذا الشخص وصلاحياته، وإن رجَّح البعض أنه من عناصر الأمن رغم ارتدائه الزي المدني… ؛ هذا المشهد أضاف طبقةً من الشكوك حول شرعية الإجراءات ومدى احترام البروتوكولات الأمنية.

 

2. مطالبات متضاربة بالمساءلة:

طالبت جهاتٌ بإقالة اللواء عباس وحبسه، رغم عدم ثبوت تورُّطه المباشر في التعذيب، فيما اقتصر دور ابنه على تسليم المتهم للشرطة… ؛ في المقابل، دعا آخرون إلى محاكمة منتسبي وزارة الداخلية عسكريًّا، لكن التحقيقات الرسمية لم تُثبت تعرُّضَ المهندس للتعذيب من قبل الشرطة، بل أشارت إلى تعرُّضه للضرب مرتين: الأولى على يد ابن اللواء في شقته، والثانية خلال شجارٍ مع نزلاء السجن… ؛ هذا التناقض يبرز فجوةً بين الرواية الرسمية وتوقعات الرأي العام.

3. نداءات بوقف التعذيب:

أكَّد غالبية العراقيين ضرورةَ إنهاء ممارسات التعذيب في مراكز الاحتجاز، ورفض انتزاع الاعترافات بالإكراه، مُطالبين بحماية حقوق المواطنين… ؛ وبغض النظر عن ملابسات حادثة المهندس وتفاصيلها .

4. غموض وتعقيدات الروايات وتناقضها:

أقرَّ معظم المواطنين – وفق تصريحات المسؤولين واصحاب الشأن وغيرهم – بأن القضيةَ غامضةٌ، وأن روايات الأطراف غيرُ مقنعةٍ وتحتاج إلى تحقيقٍ جادٍّ… ؛ فقد تعددت التفسيرات والروايات والشهادات : فبينما ادَّعى البعض أن المهندس طالبَ بمستحقاته المالية بعد ترميم منزل اللواء تارة او شقة ابن اللواء تارة اخرى ، زعم آخرون أنه دخل شقة ابن اللواء ليلًا بحجة الاستفسار عن مكانه او عن عنوان اللواء ، كما ترددت رواياتٌ أخرى عن ذهاب المهندس الى صهره الساكن في نفس العمارة من اجل السفر الى الامارات وقد اعترض البعض على هذه الرواية لان المهندس لم يكن معه جهازه الخاص , فهل يعقل ان يسافر المرء من دون جهازه النقال ؛ بينما ادعى البعض ان احد افراد عائلة المهندس يمتلك مكتب للصيرفة والكي كارد وعنده حسابات و خلافاتٍ ماليةٍ مع اللواء … الخ ؛ ما أدى إلى شجارٍ انتهى بضربه على رأسه… ؛ إلا أن جميع هذه السرديات تبدو مُفتعلةً أو ناقصةً وبعضها مكذوبة ، ولا تصمد أمام التحليل المنطقي ومجريات وملابسات الحادثة .

5-. الحادثة كجزء من نظامٍ مؤسسي:

اعتبر البعض أن الحادثةَ ان صحت فهي ليست شاذةً، بل تكشف الحادثة عن استمرار ثقافةٍ مؤسساتيةٍ تُشرعن التعذيب كأداةٍ لـ”استخراج الاعترافات”، مستندةً إلى مفاهيمَ باليةٍ في كليات ومعاهد الشرطة وغيرها من الاجهزة الامنية مثل: “مجابهة المجرم بمجرمٍ مثله”… ؛ او ان التعامل بالقسوة والتكبر يعزز موقف وهيبة الضابط تجاه المواطن والمجرم والمتهم ويساعد في احقاق الحق وتطبيق القانون … الخ , وعليه والامر هكذا فالمتهم هنا ليس بضعة عناصر من جهاز الشرطة او مكافحة الاجرام بل الوزارة باسرها مسؤولة عن هذه الظاهرة السلبية … ؛ فهذه الثقافة تُغذّيها مناهج تدريبيةٌ ورؤى امنية لا تراعي حقوق الإنسان ولا تهتم لكرامة المواطن والمتهم ، ما يجعل هذه الحادثة جزءًا من سياقٍ أوسع، وليس حالةً فردية او طارئة .

6. نمط الوفيات المشبوهة في السجون واستراتيجية التضليل :

ربط المواطنون بين وفاة المهندس وبين “ظاهرةٍ قديمة” تُسقِط التهمةَ على المعتقلين بحجة شجارات بين النزلاء ، كحال السجين فؤاد الركابي الذي لقي حتفه بذريعة الشجار مع النزلاء في احد سجون ديالى … ؛ ورغم عدم إنكار حدوث مثل هذه الحوادث في السجون ، إلا أن تكرارَ الرواية الرسمية ذاتها يُثير الشكوكَ حولَ وجودِ سياسةٍ ممنهجةٍ لإخفاء جرائم التعذيب… ؛ فطالما استخدمت هذه الذريعة لتبرئة الأجهزة الأمنية من مسؤولية التعذيب المنهجي .

7. مطالب إصلاحية عاجلة:

طالبت النخبُ الوطنيةُ – بسبب الضجة الإعلامية – بإلزام منتسبي الأجهزة الأمنية بدوراتٍ تدريبيةٍ حول حقوق الإنسان، ومراجعة مناهج الكليات الشرطية، وتحويل السجون إلى مراكز إصلاحٍ بدلًا من عقابٍ، مع تفعيل الرقابة على السلوكيات المنافية للقيم الإنسانية… ؛ و تفعيل الرقابة القضائية على التحقيقات لمنع الانتهاكات… .

8. السياق الاجتماعي وتبريرات العنف:

البعض تغاضى عمدا عن ذكر السبب المنطقي والرئيسي للحادثة , فما الذي يدعو شخص غريب الى الذهاب وفي منتصف الليل الى شقة شخص لا تربطه به اية رابطة نسبية او اجتماعية , وما الذي دعا المهندس الى الدخول في شقة ابن اللواء وفي منتصف الليل , وقد اشار الى هذا الامر الناشط الحقوقي سعد سلطان حسين في مقالته (بين فديو التسفيرات وفديو موقف مركز شرطة حطين ) اذ قال : (( … كما وردني فأن موضوع دخول المهندس إلى محرم دار الراء هو بسبب علاقة تربطه بطرف من العائلة ، وان إجراءات العائلة كانت إنتقامية لهذا السبب … )) وقد تناهى الى سمع البعض ان القضية قضية شرف , والحق مع عائلة اللواء , فقد اخترق المهندس حرمة منزل اللواء او شقة ابنه , علما ان العرف والدين والقانون فضلا عن العرف العشائري يجيز للواء او ابنه رد الفعل العنيف في مثل هذه الحالات ؛ فقد تجاوزَ المهندس بشير خالد لحدودِ الأدب الاجتماعي والقوانين … ؛ الا ان اللواء عباس التزم الصمت لأسباب عديدة هو اعرف بها منا … ؛ فما من عراقي منصف تطلب رأيه في قضية دخول شخص غريب وفي منتصف الليل على عائلة امنة من دون استأذن او موعد الا ويقول لك ان هذا الشخص معتدي ومستهتر ويستحق العقاب .

9. استغلال الأحداث سياسيًّا:

وكالعادة حاول البعض ركوب الموجة , والتطبيل والتزمير من دون معرفة الاوليات والملابسات , فلعل المجني عليه هو الجاني , ولعل الجاني هو المظلوم والمدافع عن نفسه وعرضه وبيته , الا ان البعض لا هم لهم سوى ركوب الموجات والاحداث وتجييرها سياسيا وطائفيا لأهداف مشبوهة ومنكوسة … ؛ فقد حاولت بعض الأطراف توظيفَ الحادثة لخدمة أجنداتٍ سياسيةٍ أو طائفيةٍ، عبر استقالاتٍ برلمانيةٍ مُعلنةٍ، أو ادعاءاتٍ باضطهاد مكوّنٍ معيَّنٍ، أو دعواتٍ لإسقاط الحكومة.

الخلاصة:

رغم الضجّة الإعلامية وخطأ المهندس وتجازوه الفاضح على عائلة اللواء عباس وفقا لشهادات البعض … ؛ تبقى حادثة بشير خالد امتدادًا لأزمةٍ هيكليةٍ تعانيها المؤسسات الأمنية في العراق ، حيث تختلط الممارسات الفاسدة بالثقافة المجتمعية المُتسامحة مع العنف… ؛ و إن معالجة هذه الإشكاليات تتطلب أكثر من إجراءاتٍ ترقيعية مؤقتة ؛ فهي بحاجةٍ إلى مراجعةٍ شاملةٍ لأسس العدالة والمساءلة والثقافة والاعلام في دولةٍ ما زالت تعاني من إرث الاستبداد وثقافة العنف والاستعباد .

أحدث المقالات

أحدث المقالات