توصل المبعوثين الرئاسيين الأميركيين كيث كيلوج وستيفن ويتكوف ، الى أسرع السبل الممكنة لحل الوضع في أوكرانيا ، والمتمثل كما أفادت به وسائل الاعلام الغربية ، تقسيم البلاد إلى مناطق سيطرة بين الدول الأوروبية وروسيا ، على غرار برلين بعد الحرب عام 1945 ، والاعتراف بـ”الوضع الروسي” لأربع مناطق أوكرانية سابقة ، وإمكانية نشر قوات بريطانية وفرنسية في غرب أوكرانيا، على أن تتولى روسيا السيطرة على الأراضي الشرقية، أي المناطق الأوكرانية الأربع السابقة التي أصبحت الآن جزءا لا يتجزأ من روسيا – مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريزهيا وخيرسون ، هذا يعني ان الحديث يدور عن ترسيم حدود جديدة على طول نهر الدنيبر.
وذكرت صحيفة التايمز البريطانية نقلا عن مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى أوكرانيا، جون كيلوج، كما قالت صحيفة ” التايمزالبريطانية ” ، إن القوات الأوكرانية ومنطقة منزوعة السلاح بعرض نحو 30 كيلومترا قد يتم نشرها بين القوات الأوروبية والروسية ، وفي الوقت نفسه، لن تنشر الولايات المتحدة أي قوات برية في أوكرانيا ، ومع ذلك، أنكر كيلوج نفسه في وقت لاحق ما نشرته صحيفة التايمز، مشيرا إلى أن كلماته قد تم تفسيرها بشكل خاطئ ، وقال كيلوج إنه ذكر مناطق مسؤولية القوات المتحالفة بعد وقف إطلاق النار، دون أن يلمح إلى مشاركة القوات الأميركية.
ومهما كانت أفكار كيلوج للصحيفة البريطانية ، فإنها تلقت إنتقادات من جميع الجهات ، فالجانب الروسي وعلى لسان السفير المتجول لوزارة الخارجية ، روديون ميروشنيك ، وفي تصريح لقناة “سولوفييف لايف”، أكد إن مثل هذا الانقسام قد يؤدي إلى تصعيد جديد على مستوى آخر ، لإن الحفاظ على منطقة العسكرة، وتشكيل عناصر متطرفة هو أحد خيارات التجميد، والتي يمكن تنفيذها بعد فترة من الوقت من خلال مستوى جديد من التصعيد ، حيث بإمكان أوكرانيا وبدعم من بريطانيا، تدريب عشرات الآلاف من المقاتلين في وقت قصير وإرسالهم “للقتال مرة أخرى“ ، كما إن ظهور “قوات حفظ السلام” في أوكرانيا سيكون بمثابة بيان احتلال، و”ستحافظ منطقة الانتداب هذه على مستوى السمية الذي تم إطلاق النظام العالمي الجديد ضده“.
واقترح المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستيفن ويتكوف، ألذي أجرى في سانت بطرسبرغ ، محادثات استمرت لساعات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ( كانت هذه هي الزيارة الثالثة لويتكوف إلى روسيا منذ تنصيب ترامب ) ، وكذلك مع مساعد الرئيس يوري أوشاكوف ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف ، وبحسب وكالة رويترز، خيار تسوية آخر ، وفي تقريره إلى البيت الأبيض، كتب أن أسرع طريق للسلام هو أن يعترف الغرب بـ “الوضع الروسي” لمناطق لوغانسك ودونيتسك وزابوريزهيا وخيرسون ،وفي الوقت نفسه ، اندلعت المناقشات مرة أخرى في الولايات المتحدة حول مدى فعالية ويتكوف في دوره كممثل خاص لترامب.
ويتكوف تعرض للهجوم في فبراير/شباط، وهي ليست المرة الأولى التي يتعرف فيها الى الانتقادات ، فقد طالته انتقادات مسؤولين إسرائيليين ، وحلفاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من اليمين في الولايات المتحدة ، بسبب جهوده كوسيط رئيسي في اتفاق وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس ، كما أن أوكرانيا لا تخفي عدائها للمبعوث الخاص لترامب ، لذل فإن أفكار كيلوج بشأن تقسيم أوكرانيا ، ومقترح ويتكوف بالاعتراف رسميا بالوضع الجديد للأراضي الأوكرانية السابقة ، هي وسيلة حقيقية لحل الأزمة، ولكن إذا قرر ترامب البدء في تفكيك أوكرانيا، فإن البلاد قد تتفكك كدولة واحدة.
اليوم، طُرِحَت مسألة الاعتراف الرسمي بالمناطق الأوكرانية السابقة كمناطق روسية ، لكن الأمر كله يتعلق بالوضع القانوني للأراضي الأوكرانية، التي يخضع 25% منها بالفعل للسيطرة الروسية ، وأوضح فلاديمير فاسيلييف، كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا التابع للأكاديمية الروسية للعلوم ، لم يتمكن الغرب قط من ضمان عودة هذه الأراضي إلى السيطرة الأوكرانية، وعاد الوضع إلى حدود عام 1991 ، وذكّر الخبير السياسي بقانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA)، الذي وقعه ترامب في أغسطس/آب 2017 ، وقد شرعت الوثيقة التدابير التقييدية ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية ، التي اعتمدتها الإدارات السابقة وفرضت عقوبات إضافية.
وينص القانون نفسه على أن الولايات المتحدة لن تعترف بأوكرانيا إلا ضمن حدودها لعام ١٩٩١ ، وهذا الموقف أساسي حاليًا، ليس فقط للولايات المتحدة، بل للغرب ككل ، ولذلك، ليس لدى الولايات المتحدة أي مبرر لإبرام اتفاق طويل الأمد مع روسيا ، وفي الواقع، ان الحديث يدور عن هدنة مؤقتة غامضة، يمكن انتهاكها بسرعة بعد إعادة تجميع القوات، ومن المهم لترامب اليوم أن “يتجاوز هذا الوضع الخطير” ، فكيف سيُحدد وضع هذه الـ 25% من الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية؟ عمومًا، لم يُعالج ترامب هذه القضية من حيث جوهرها بعد ، كل حديثه عن رغبة روسيا في السلام ما هو إلا تهرب من المشكلة ،فإذا اعترف ترامب ببساطة بأن هذه الأراضي روسية، فسيُوصف فورًا بأنه “عميل بوتين”، وسيُقال إن “رئيس الولايات المتحدة يُسلم أوكرانيا” وينتهك قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات“.
وإذا اعترف الغرب رسميا بأن الأراضي الأوكرانية السابقة قد تم نقلها إلى روسيا ، “فإن أوكرانيا قد تنهار” ، ولكن حقيقة أن مثل هذا الخيار كان قيد الدراسة ، كانت واضحة من التقارير الصادرة عن جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي ، حول خطط الغرب لاحتلال أوكرانيا ، وتقسيم أراضيها بين رومانيا وبولندا وألمانيا وبريطانيا ، وهذا هو السبب بالتحديد وراء اهتمام الولايات المتحدة ، بإبرام اتفاق في أقرب وقت ممكن مع أوكرانيا ، بشأن الوصول إلى مواردها الطبيعية، وهو ما سيسمح لها بعد ذلك بالانتقال إلى قضية أراضيها، حيث سيتم إنشاء مناطق نفوذ اقتصادي بمشاركة رأس المال الأوروبي والغربي.
لا يمكن لترامب التعامل مع هذه القضية إلا بطريقة واحدة – البدء بتفكيك أوكرانيا ، وهذه هي الطريقة الوحيدة لحل المشكلة ، وهذه هي الصيغة الوحيدة التي يمكن تسويقها ، ربما ستزول أوكرانيا، لكنني لا أرى أي طريقة أخرى لحل المشاكل ، وإذا أطلق ترامب عملية تقسيم أوكرانيا، فسوف ينشأ مبدأ جديد من مبادئ القانون الدولي، وهو ما سيكون له أهمية كبيرة بالنسبة للمناطق الأخرى التي تعاني من نزاعات إقليمية لم يتم حله ، ولن تُحل مشكلة أوكرانيا بسرعة ، وستظلّ العديد من الرماح مكسورة ، والكثير وارد الحدوث ، فالوجود المُحتمل لقوات الناتو في أوكرانيا سيُقرّب روسيا من مواجهة عسكرية خطيرة ، وبالمعنى الدقيق للكلمة، لا أحد يعلم حتى الآن كيفية حل الصراع الأوكراني، ليس من منظور تجميد مؤقت، بل من خلال خلق ما يشبه سلامًا هشًا على الأقل لمدة 10-15 عامًا.
ان طبيعة العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة معقدة ، وبحسب رافائيل أوردوخانيان، عالم السياسة الأمريكي والحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية ، فإن ترامب غير مهتم إطلاقًا بقضية أوكرانيا بحد ذاتها ، وكل هذا الالتباس ناتج عن عملية المفاوضات ، وتوضيح المواقف بشأن عدد من القضايا ، “فهذه هي منطقة المحيط الهادئ، والشرق الأوسط، والرسوم الجمركية، وبالطبع أوكرانيا” ، وإن الصفقة الرئيسية بين روسيا والولايات المتحدة ، ستكون واسعة النطاق ومتعددة الأوجه ، وان كل ما يُقال الآن هو من باب التكهنات السياسية ، ليس لدينا ما يكفي من الأسباب لاستخلاص استنتاجات استراتيجية ، و”نحن بحاجة إلى النظر إلى الخطوات المحددة التي يتخذها الأميركيون”.
كما ان هناك معارضون للتسوية السلمية في أوكرانيا في الولايات المتحدة، وهو ما تشير إليه الانتقادات الموجهة إلى ويتكوف ، وكل ما يحدث مع ويتكوف هو بداية مواجهة شرسة وحادة مع ترامب ،فويتكوف هو منفذ سياسات ترامب ، ولذلك، فهم لا يهاجمون ويتكوف، بل سياسات الرئيس الأمريكي ، إذا اتخذ ترامب قرارات حاسمة بشأن أوكرانيا هذه الأيام، وأبرم أيضًا الاتفاق النووي مع إيران، فسيعزز ذلك سلطته ونفوذه داخل البلاد ، يدرك أعداؤه ذلك، ويرغبون بالتأكيد في نسفه.