18 أبريل، 2025 11:38 م

“محمد دله”.. كرس حياته للأدب ودعم مؤلفات الأسري

“محمد دله”.. كرس حياته للأدب ودعم مؤلفات الأسري

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد دله” شاعر فلسطيني..

التعريف به..

مواليد نيسان1969 فلسطين المحتلة، كفر راعي- جنين، له ديوان مطبوع 1995 بعنوان (هكذا تكلم الجسد) وكتاب مترجم: (لغة الجسم) 1996.

نشر العديد من القصائد والمقالات والدراسات الاجتماعية والأدبية في الصحف العربية والفلسطينية (الميثاق، الكاتب، الحياة الجديدة،عرب اليوم، الغد، الاتحاد، الشرق الأوسط وغيرها). يعمل ويقيم في السعودية.

وداع..

في مقالة بعنوان  (في وداع الشاعر محمد دلة) كتب “فراس حج محمد”: “في النص الأخير قلت شيئا شبيها برثاء النفس، وأنا أرثي أصدقائي الشعراء:

كلّما ماتَ شاعرٌ تذكّرتُ أنّني ما زلتُ حيّاً

وأنّ دوري قريبٌ قريبْ

ربّما لم يُتَحْ للأصدقاءِ قراءةُ قصائدهم في رثائي المفاجئ

وها هو الشاعر والناقد محمد دلة يغادر أصدقاء على حين فجأة، ليترك خلفه “فارسه الغريب” ونقده المتوسع في قصائد أصدقائه ونصوصه. “محمد دلة” يغادر كما يغادر الشعراء، مخلفاً السؤال الكبير مطروحاً: هل يموت الشعراء برحيل أجسادهم؟ أنا لا أصدّق أنّ شاعراً سوف يموت. هل أواسي نفسي وأصدقائي بذلك؟ لا أظنّ فالشعراء ها هم باقون، نرى أثر النار المقدسة في كتبهم ونصوصهم، يستعادون كل حينٍ.

ما بيني وبين أبي يزيد ليس قليلاً، لكنه كافٍ ليكون صديقاً، بيننا الشعر وحرفة الكتابة، عندما أبلغني زياد خداش بالخبر، جاء منبها قوياً، لا لين فيه، جملة وحيدة صاعقة “مات الدلة”. شعرت كأنّ شيئا فيّ اهتزّ، ها هو شاعر آخر يرحل، وأقرأ نعيه، حادثت زيادا باتصال هاتفيّ، ودار حوار قصير حول الدلة، إنه كان مريضاً منذ مدة، لم أكن أعلم، فاستغرب خداش، أليس صديقك؟ نعم إنه صديقي، لكن عادتي القبيحة ما زالت ترافقني أنني أختلي بنفسي، ولا أسأل عن أحوال الأصدقاء”.

ويضيف: “في واحدة من زياراتي لمعرض رام الله الدولي للكتاب المقام عامئذ في المكتبة الوطنية، طال بي المقام في المعرض، ورغبت في المبيت، فتشت عن مبيت، توفّره لي وزارة الثقافة، فلم أفلح، فتبرع الدلة بأن يستضيفني معتبرا أن البيت بيتي، ترحيب فلاحيّ أصيل، بما أعهده في قرانا الفلسطينية. لم أشأ أن أثقل على الدلة، وأفسد عليه ليلته، وخلوته، فآثرت العودة إلى القرية.

لم ألتق بالدلة بعدها إلا في أروقة المعرض، في زاوية “دار الأزبكية” التي أنشأها ويديرها، وبعد مدة عندما شارك بتوقيع ديواني “على حافة الشعر… ثمة عشق وثمة موت” في مقهى حنظلة برفقة الأعزاء: حسن عبادي ود. أحمد رفيق عوض، وحضر ثلة من الأصدقاء، وكان منهم زياد خداش نفسه، كان ذلك في الثامن عشر من آذار عام 2023.

كان لقاء أدبيا جميلا، كنا عائلة أدبية تجمع الوطن من أقصاه إلى أقصاه، كان مفعما بالحب فعلا. لقد أراني الصديق الدلة نفسي على ضوء ما أفاض به حديثا عن الديوان وما فيه من جماليات. في ذلك اللقاء جلست مع الدلة عن قرب، ولم أكن قد ضمنا مجلس قبل ذلك.

على أثر مناقشة الديوان، اتصلّ بي الدلة بعد يومين أو ثلاثة، ليستضيفني في “الأزبكية” لعمل أمسية شعرية للديوان وصاحبة، وباستضافة صديقنا ابن حيفا المحامي حسن عبادي، أخبرت الشاعر الدلة أن حسن مسافر، ونرتب الأمر بعد عودته، ولكن ثمة مشاغل أفسدت ذلك اللقاء، ولم أكن أدري أن المرض يتربص بالشاعر ينهش أيامه ويقضمها على مهله.

لكنْ، لم يكن هذا كل شيء، يعود إليّ أيضا زياد خداش وهو يكتب عن ديوان محمد دلة “مرثية الشاعر الغريب، ويعده نموذجاً “لنص الحب في مشهد الشعر الفلسطيني” (عُمان، 8/1/2025)، ليطلب مني أن أشارك برأيي في هذا المقال، لأكتب له حول تجربتي في كتابة نص الحب، أسعدتني المشاركة بلا شك، فأنا بضيافة الأصدقاء خدّاش والدلة، ولحسن حظي فعلا أنني أقتني ديوان الدلة، فقد حصلت عليه من مكتبة الرعاة في رام الله، ولم أكن أعرف بعد سبب ترجمته للعنوان “Elegy of the stranger knight”.

بتاريخ 3/12/2024، تستضيف العزيزة كوثر الزين في برنامجها “الصالون الثقافي” الشاعر والناقد محمد الدلة. أستمع للقاء بكل تأكيد، لأكتشف من بين ثنايا اللقاء أنه لم يكن شاعراً وناقدا فقط، بل كان مترجما أيضاً، وتشاء الأقدار أن أتحدث مع حسن عبادي ليخبرني أن الشاعر إحسان موسى أبو غوش يهديه نسخة من ديوانه “دمعة تخدع ظلها” مترجما إلى الإنجليزية تحت عنوان “A Tear Deceives Its Shadow” وهو من ترجمة محمّد دلّة.”

مرثية الفارس الغريب..

كتب “شاكر فريد حسن” خبر عن صدور مجموعه له: “صدر عن دار الرعاة في رام الله، ودار جسور الأردنية في عمان، المجموعة الشعرية الجديدة “مرثية الفارس الغريب” للشاعر والكاتب والناقد الفلسطيني محمد دلة، وتضم بين ثناياها قصائد تحاكي الوطن والإنسان والوجع الفلسطيني، وتتناول الهموم والعذابات الفلسطينية والإنسانية.

يقول عنه الناقد الفلسطيني رائد الحواري: “محمد دلة كالنبع المتدفق، الذي يثرنا بمشاهدته، ويمتعنا بجماله، ويدعونا لنرتوي منه، فنحصل على ماء عذب، ينعشنا، وعلى مشهد جميل، يمتعنا، وعلى إحساس بالشبع، الشبع المادي من خلال الماء، والشبع الجمالي/ الروحي من خلال مشاهد النبع “”.

نعي..

تنعى وزارة الثقافة بمزيد من الحزن الشاعر والناقد محمد دلة الذي وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز ٥٦ عاماً. حيث رحل محمد دلة بعد مسيرة حافلة بالعطاء الأدبي والثقافي، سطر خلالها حضوره الواضح في الدفاع عن الرواية الفلسطينية، بشجاعة الكلمة، وبالقصيدة الحرة، ساهم من خلال كتاباته بنشر الثقافة والفكر والتاريخ والأدب الفلسطيني، ودعم مؤلفات الأسرى، وكان له دور في حركة الترجمة الشعرية، وبرحيله تخسر الحركة الثقافية أحد أعمدتها التي تركت بالغ الأثر بحضوره.

أصدر الراحل عدة مجموعات شعرية من أبرزها :”هكذا تكلم الجسد” عام 1995، إلى جانب كتاب مترجم بعنوان “لغة الجسد”، وأصدر مرثية الفارس الغريب، وترجمة ديوان “دمعة تخدع ظلها” للشاعر إحسان ابو غوش، وساهم بعشرات المقالات والمشاركات الأدبية في صحف ومجلات محلية وعربية، وأسس دار أزبكية رام الله للنشر.

ولد الراحل في بلدة كفر راعي بمحافظة جنين عام 1969، وكرّس حياته منذ شبابه للعمل الوطني والثقافي، منحازًا للحقيقة، مدافعًا عن الكلمة الحرة، وانتمى إلى الحركة الوطنية النضالية منذ شبابه.

قصيدة “هو البيت”

 لـ “محمد دله”

هو البيت جدي

وجدُ أبي

وجدُ الجبالِ التي فردت ظلها أضلعا وصهيلا

هو البيتُ أكبرُ أفراد عائلتي

في حكايات أيل الحقول

يرتب آياتها رامة وجليلا

هو البيتُ مهدُ المسيحِ

وصخرة ذاك الصعود

أرادته خيل السماء عليا طويلا

إلى سدرة المنتهى

حيث يخضر نص

وتولد كل الكنايات نافذة للعلى والمستحيل

ويا حبذا مستحيلا يشد لوردته المستحيلا

هو البيت

أدمعُهم في الخيام

وأصبرهم في حواري الخليل خليلا

هو البيتُ ذاكرتي في الدوالي

وتاريخُ حرفي العليل

تقطّر زقزقة وهديلا

هو البيتُ

عشبي ومائي

وحبل بقائي

ومشنقة للغزاة

ومقبرة تطارد ظلامة ودخيلا

هو البيتُ بيتي وان هدموه

فلن يهدموا شعلة الذكريات

ولن يمسحوا عنه شاي الببونج فجرا

تعده أمي لنا

لأبي

للرعاة

وللذاهبين إلى قبلات الندى والحقول

ولن يمسحوا عنه صورة أمي

تربي وتسقي جرار الزهور

وتبذل للطير حصته المبتغات من الحب  والماء

فالأمهات خلود الصدى والمعجزات

وهنَّ كخبزهن قمح الإرادة

حلم البلاد الذي يتحدى

ويأبى الأفولا

ولن يمسحوا عنه وجه أبي

فأبي أودع الدفء والحرف

في حجر كمسلات النشيد صقيلا

ولن يمسحوا عنه خشوع الصلاة

فكل صلاة  تخبئ في نصها طعنة وصهيلا

يغازل وجه فلسطين بالنصر

والنصر قام نبيا رسولا

هو البيت

أقلام ادوراد

حكمة درويش

ريشة غسان

دمع البتول أسى وذبولا

هو البيت

نخلة مريم

بيت أبي

وليس مغاور للقذا واللصوص

وبيت ابنها قام يكرز بالمطر الحر والأمنيات

ويحمل فوق الجراح صليب الخلاص

ويشفى حجارة بيت

تهدم من رجسهم

يا حجارة قومي

فإيمانك الثر يبني المالك

في الأرض حينا وحينا يطرزها في سهوب السماء بتولا

ليمنحها صبرها المشتهى والحياة

ويشحذ سيفها صارما وصقيلا

هو البيت، بيت أبي

وهم حمل وزر ثقيل وأقبح قيلا

برابرة يأكلون الحروف

وينتشرون محاقا يحيط بنا طعنة وذبولا

وهم معاول هدم

وغارات بدو

وبوق فناء

يجرجر موتا سليلا

ونحن بناة السفائن

بناة المدائن

ونحن رسالات عشق جميل

تعانق مرج ابن عامر صبرا جميلا

ونحن بناة الحضارة من ألف جيل

وجيل يورث جيلا

فيا حجرا في مهب الرياح

سنبنيك بيتا وبيتا وبيتا

فقط نحن نحتاج ملحا ووقتا

ونحتاج وحدتنا في النزيف

وتينا وزيتا

لنعمر دولة الحب قائمة بالرسالات

تهدم هذا الخراب

على رأس فاعله

ونعلى الزغاريت في ساحة البيت

في ساحة المهد

في صخرة القدس

بيت يقوم ويهزأ بالهادمين

ويحضن أبناءه العائدين

ويقرأ فاتحة للشهيد

ويعلن نجمته في الفصول فصولا.

هو البيت

متراس عائلتي

وبنادق جدي

كلامي الذي لا يزول

ولن لن يزولا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة