18 أبريل، 2025 11:38 م

“جواد محسن”.. ركز علي جودة الفن وعمقه وأصالته

“جواد محسن”.. ركز علي جودة الفن وعمقه وأصالته

خاص: إعداد- سماح عادل

“جواد محسن” فنان عراقي..

التعريف به..

ولد في خمسينيات القرن العشرين، حاصل علي دبلوم الموسيقى من معهد الدراسات النغمية وبكالوريوس من كلية الفنون الجميلة، من جامعة بغداد، وشهادة الدكتوراه عن الموسيقى التصويرية في المسرح العراقي. واحد من جيل غنائي بارز يضم “كاظم الساهر” و”محمود أنور” وفنانين عراقيين مميزين. اختار نمطا غنائيا مغايرا للنمط الحداثي، والتزم بغناء القصائد لكبار الشعراء، مثل “مظفر النواب ومحمود درويش”. كما أعاد تقديم أغانٍ قديمة بأسلوب جديد أجرى فيه بعض التحديثات، مثل أغان للفنان الراحل “ياس خضر”.

من أغانيه المعروفة بين جمهوره أغاني “قطار العمر” و”غلطنا”، بجانب تقديمه لأغان عربية معروفة، بينها “من غير ليه” للموسيقار “محمد عبد الوهاب”. وقدم  أغاني دينية ووطنية وعاطفية ورياضية، عبر فرقة الإنشاد العراقية، منذ نهاية السبعينيات وظل نشطا في الوسط الفني والغناء حتى آخر أيامه.

محمود درويش..

في حوار معه أجراه “عبد الجبار العتابي”  يقول “جواد محسن” عن سر اختياره لقصائد محمود درويش للغناء: “هزني خبر رحيل الشاعر الكبير محمود درويش الذي يشكل بالنسبة إلي صوتا شعريا مهما، وسبق لي أن لحنت بعض قصائده في مسرحية تحمل عنوان (الانتظار) للمخرج الراحل خضير الساري عام 1978، من ضمنها قصيدة (نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل وحبوب سنبلة تجف ستملأ الدنيا سنابل)، هذه القصيدة كنت أغنيها دائما وكانت محط إعجاب المسرحيين والفنانين، وبعد وفاته لحنت خمس قصائد، حاولت فيها أن أصل إلى جزء من ذرى هذا الرجل، فمثلا في قصيدة (أتذكر السياب) هناك وجع عراقي، ربما لا يستطيع أن يكتبه حتى العراقي نفسه.

ومحمود درويش اختزل الألم الفلسطيني بالألم الجديد المضاف إلى العراق وأنتج قصيدة كبيرة فيها محبة هائلة للعراق، واستطعت لحنيا أن أكون بمستوى النص، فلحنت هذه القصيدة بطريقة أشعر أنني وجدت كثيرا من التساؤلات التي أتحدث عنها في خضم لحنية هذه القصيدة، أما قصيدة (ريتا وعيونها بندقية) ففيها يجمع محمود درويش بين المرأة ونقيضها السلاح .

المرأة..

وعن المرأة يواصل: “عندي قصائد وجدانية منها قصيدة للشاعر الصافي النجفي بعنوان (ريبة) وهي وجدانية تقترب من الأنثى بفهم عميق لسايكولوجية الحب، ولكنني أجد نفسي أحيانا أفهم الحب ليس باعتباره عاطفة بين امرأة ورجل وإنما باعتباره عاطفة بين الإنسان والكون، والتي تكون المرأة أحيانا نقطة ارتكاز هذه المحبة وليست المحبة كلها” .

الغناء..

وعن فنه وعدم شهرته يقول: “أنا لا أشعر أنني في الظل، بل في أكثر الأماكن سطوعا، لدى الآخرين على الأقل الذين يسألون عني ويحترمون تجربتي، ومفهوم الظل هو نسبي، فالآن نحن جميعا في منطقة الظل، لكنه ظل زائل.. بل وسريع الزوال.

لست بعيدا وما زلت أغني وقد سجلت في المدة الأخيرة أغنية وطنية هي في مقام النشيد الوطني في تكوينها الموسيقي الميلودي وطاقتها الانتقالية ترقى إلى نشيد وطني جديد للعراق، ولا ننسى أن سيد درويش في أغنية (بلادي .. بلادي) التي هي ذات طابع ميلودي بسيط. أصبحت السلام الجمهوري المصري، وأنا اشعر أن أغنيتي فيها بساطة ولكن فيها عمق لحني، وقد أعطيتها للفضائيات العراقية لكنها لم تبث ولا اعرف السبب!، كما أنني قدمت قبل مدة أغنية رياضية واعتقد أنها جميلة، إذن .. أنا أتحرك ولكن الواقع لا يعطي ملامح حقيقية عني كفنان.

ليس بالكثرة يحقق الفنان حضوره، فربما هناك عمل واحد ويطبع الفنان على ملامحه لمدة طويلة، ومع ذلك. فأنا أعد مفاجأة كبيرة للجمهور من خلال تقديم أعمال نوعية تعوض فترة الكساد القديم”.

وعن عدم إصدار البوم يحكي “الألبوم في العراق من الصعب إصداره حاليا، والفنان الناجح هو الذي يقدم أغنيته من خلال الفضائيات وتقدمه إلى الناس بصورة صحيحة.

وعن الغناء خارج العراق يقول: “أنا أخطأت في هذا الجانب، هو خطأ العمر، في عدم السفر، وقد اقتنعت بمكاسب صغيرة وآنية في الداخل، فلو أنني سافرت في التسعينات لكان لي حضور أقوى وأهم ولكن بقيت هنا في بغداد وصرت جزءا من لعبة الإعلام السيئ في العراق وارتضيت بانجازات معينة وكان يفترض بي أن أطورها، علما أن أكبر فنان في الداخل يهمش ويقصى، والآن هناك تفكير جدي بالسفر لكن ظروفا شخصية بحتة تمنعني، ولكن مجرد أن ارتب وضعي سيكون هناك كلام آخر، وقد سجلت مجموعة أعمال، فانا لا أريد أن أعيش مثل بعض الفنانين وضعا صعبا ولا أكون هامشيا ولا أعيد ما تعرضت له داخل العراق”.

وعن التمثيل يقول: “لقد قدمت للمسرح مسرحية (قيامة شهرزاد) تأليف د. خزعل الماجدي وحميد قاسم وإخراج غانم حميد عام 1995 وأثار العمل تساؤلات كبيرة وأحسست به كبيرا ولم أتوقع أن أقدم للمسرح مستوى موسيقيا وصوتيا بهذا الشكل كما كانت لي تجربة مع حيدر منعثر في مسرحية (وين الحكومة) عام 2002 والذي استطاع أن يخلق مني ممثلا، ومازالت عندي رغبة وحنين إلى التمثيل سواء على صعيد المسرح أو التلفزيون إذا وجدت الدور المناسب” .

اشتاق..

وفي حوار ثان يقول “جواد محسن” عن أغنية جديدة: “إعادة تسجيل أغنية “تعال لحبك أنا اشتاق” للملحن العراقي الكبير “طالب القره غولي”، وهذه الأغنية من الأغاني الجميلة التي اشتهرت في سبعينات القرن الماضي بصوت المطرب المعروف “ياس خضر” وأنا سوف أقوم بتقديمها من جديد ولكن بنوع من الحداثة .

وعن موافقة “القره غولي” على غنائها من جديد يقول: “هناك شبه موافقة من الملحن طالب القره غولي، لأنني لم أتصل ولم ألتق به لكونه يعيش حاليا في سوريا، لكن من خلال طرف آخر أتصل به علمت أنه لم يمانع في إعادة تسجيل هذه الأغنية بصوتي .

أنا أشعر أن هذه الأغنية لم تأخذ حصتها بالانتشار، لأنها بقيت محافظة على نمطها القديم، حيث غنيتها قبل مدة قليلة في برنامج تلفزيوني وكذلك في حفلة وقد وجدت أن الجمهور قد تفاعل معها بشكل كبير جدا . لذلك أرى أنني سأضيف شيئا جديدا إلى هذه الأغنية، لأنني وبعد أن سمعها الجمهور بصوتي وجدت أن أدائي لها كان مقنعا وعليه أتوقع أن تضيف لي شيئا جديدا في مسيرتي الغنائية .

وعن  إصراره على العودة إلى الأغنية السبعينية يقول: “أنا من بين المطربين الذين يتحركون دائما في إطار هذه الأغنية لأنها تمثل الأساس المتين للغناء العراقي وأعتقد أن الأغنية العراقية ما تزال حتى الآن منتمية إلى روحية الأغنية السبعينية التي كانت أغنية متكاملة من جميع الجوانب، وكذلك أرى أن الأغنية السبعينية أسهمت في تحديث الأغنية العراقية بكل أطوارها .

كانت الأغنية العراقية في عقد الستينات من القرن الماضي تراوح ما بين ثلاثة أشكال غنائية وهي الأغنية البغدادية التي تأثرت كثيرا بالأغنية المصرية والأغنية الريفية والمقام العراقي، لذلك ظهرت الأغنية السبعينية بلون عراقي جديد يمتلك حداثة وهذه الحداثة لا تزال تمثل القمة في الغناء العراقي حتى الآن” .

وعودة إلي نشأته فنيا يقول: “هناك قضية مهمة أنني في عام 1986 قدمت أغنية ذات إيقاع سريع، لذلك فأنا من جيل ضم محمود أنور، وكاظم الساهر، وأحمد نعمة، وكريم محمد، وعلي جودة، حيث إن هذا الجيل هو الذي بدأ الأغنية السريعة والدخول في إيقاع العصر وعليه فأنا لست ضد دخول الموجة بشكل كامل، لكني ضد بعض الأخطاء التي رافقت هذه الموجة .

إن من أبرز الأخطاء الفادحة التي وقع فيها المطربون الشباب عدم تركيزهم على كلمات الأغاني، لأن الكثير من الأغاني التي تقدم الآن هي تحمل كلمات بذيئة جدا لا تتماشى مع الخلق والذوق العام . كذلك فإن الملحنين أيضا انساقوا مع هذه الكلمات، لذلك ظهرت الأغاني والألحان وكأنها هجينة. بينما لو عدنا إلى الأغاني السريعة التي قدمت في سبعينات القرن الماضي ومنها أغنية “هلو واحنا نهل” للمطرب فاضل عواد لوجدنا أن هذه الأغنية جميلة وتطلب في الحفلات حتى الآن، لأن كلماتها فيها ذوق جميل، وعليه أنا أدعو إلى أن تكون هناك موازنة ما بين الحداثة والأصالة . ومن هذا المنطلق أرى أن المطرب الحقيقي هو الذي يمسك العصا من الوسط ومن يستطيع القيام بهذا الفعل سيكون مطربا ناجحا.

الأغنية العراقية..

وعن الأغنية العراقية اليوم يقول: “أراها تعاني عدم وجود توازن فيها، إذ إن دخول الألحان التركية والخليجية على الأغنية العراقية شوه هويتها . لذلك نجد أن بعض المطربين العراقيين باتوا الآن يعتمدون على المفردات الخليجية في محاولة منهم لفرض نمط سائد أو إرضاء حالة اجتماعية معينة . وهذا الأمر يعود إلى الوضع السياسي في البلد، لأن الكثير من المطربين العراقيين الآن يوجدون في البلدان الخليجية لذلك يحاولون التعايش مع المجتمع الذي يعيشون فيه من خلال تقديمهم بعض الأغاني باللهجة الخليجية وحتى باللهجة السورية بالنسبة للمطربين الذين يعيشون في سوريا” .

وفاته..

توفي “جواد محسن” 2025/4/9 عن عمر ناهز السبعين عاما، بعد مسيرة فنية طويلة ومميزة، رغم محدودية انتشاره خارج حدود العراق.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة