تمر في مخيلتي بعض المواقف والذكريات، ذكريات الزمن الجميل، نعم الزمن الجميل؛ كانت الحياة بسيطة غير قابلة للتعقيد، الألوان تنحصر بين الأبيض والأسود، ونادرا ما نجد اللون الرمادي في نفوس البشر، هنا سأقف مع لعبة مميزة من زمن أنقضى ومضى.
محلقو أو التوكي كما يطلق على تسميته في بغداد وبعض مناطق الفرات الأوسط، أما الجنوب فيطلق عليها بـ “الطاق”، تتكون الطاق من ثماني مربعات أربعة بجوار أربعة.
كنت أجلس ساعة العصرية على “دكة” بابنا البسيطة أشاهد البنات؛ خديجة و مريم مع خلود يلعبن المحلقو، تأخذ خديجة بحجر من البورك لتخط على الأرض ثماني مربعات كبيرة، ليبدأن باللعب.
كانت أمنيتي اللعب معهم لكن هن بنات وأنا ولد، قد يعيرني أصحابي كيف لك واللعب مع البنات، لكن ما الحيلة وأنا أحب لعب المحلقو..؟!، بدأت ترمي خلود الحجر الصغير في المربع الأول ثم بقدم واحدة تبدأ بدفعه للمربع الثاني ثم تقفز وراءه لتدفعه الى المربع الثالث، حتى تصل به الى المربع الرابع، لتستريح برهة ثم تواصل اللعب، الى الخامس والسادس والسابع ثم الثامن.
يجب على خلود عدم وضع الحجر الصغير بين الخط الفاصل للمربعين، وإلا ستخسر وتعطي دورها الى خديجة، بالفعل خسرت خلود وأخذت خديجة الدور لتفوز بالجولة الأولى.
ثم بدأت الجولة الثانية ترمي خديجة الحجر في مربع تختاره ثم تغمض عينيها وتبدأ بالمرور عبر المربعات شريطة عدم وضع قدمها على الخط وهي تقول كبي فتقول لها صديقاتها نو ثم تقول كبي.. ويقلن نو ثم كبي.. أوووه هذه المرة الكبي … يس، يس .. فقد لمست قدم خديجة الخط.
لعبة تستند الى القواعد والخطوات الثابتة للوصول الى الهدف، من يفتقر للتركيز ويميل للعشوائية حتما لن يفز أبدا، فالحظ معدوم في مثل تلك الألعاب، لكن ما أدهشني حقا إن السياسة لعبة حظ على مستوى كبير، فمن يملك الدهاء والمكر يملك مقاليد السلطة، بغض النظر عن حنكته في إدارة أمور البلاد.
ثماني مربعات مرت كسواد ليلة على فقير معدم.. لا يملك قرصة خبز يقتات بها، ثماني مربعات مرت واللاعب نفسه يخطأ ويضع قدمه على الخط ولكن…!، ثماني مربعات مرت وهو ممسك بالحجر لا يملك الشجاعة الكافية لإعطائه للذي يليه الدور، رغم خسارته في كل جولة..!
كل ما أردته إني تعلمت لعبة المحلقو وأصولها جيدا، من خلال مشاهدة بنات الجيران كيف يلعبن، سأذهب للبيت لألعب المحلقو وفق قواعد وأصول ثابتة، من دون أن يراني أحد.