مقاطعة الصدر للانتخابات: زلزال سياسي يحاصر خصومه..! -استراتيجية وادارة الازمات

مقاطعة الصدر للانتخابات: زلزال سياسي يحاصر خصومه..! -استراتيجية وادارة الازمات

تمثل مقاطعة السيد مقتدى الصدر للانتخابات القادمة تحولًا استراتيجيًا يهدف إلى محاصرة قوى الإطار التنسيقي داخل الجغرافية الشيعية وتجريدها من شرعيتها الشعبية فهذه الخطوة تتجاوز كونها موقفًا احتجاجيًا إلى كونها أداة سياسية لتقويض المنظومة الحاكمة وإثبات أن العملية الانتخابية لم تعد وسيلة حقيقية لإعادة إنتاج الشرعية بل أصبحت آلية لتدوير السلطة بين ذات القوى التقليدية وهو ما يعزز قناعة الناخب الشيعي بعدم جدوى المشاركة في نظام لا يوفر تمثيلًا حقيقيًا لطموحاته.

إن الإطار التنسيقي يعتمد على ارتفاع نسب المشاركة الانتخابية داخل البيئة الشيعية لضمان استمرار نفوذه السياسي ولذلك فإن عزوف التيار الصدري عن الانتخابات سيؤدي إلى انكشاف هذه القوى وعزلها جماهيريًا ويحولها إلى نخب فاقدة للشرعية الشعبية فبغياب الصدر ستنخفض نسب الإقبال مما يجعل البرلمان المقبل يعاني من ضعف التمثيل الجماهيري الأمر الذي سيؤدي إلى أزمة شرعية قد تعيد فتح النقاش حول طبيعة النظام السياسي القائم ومدى قدرته على تمثيل المجتمع.

المقاطعة الانتخابية لن تقتصر آثارها على الإطار التنسيقي بل ستتحول إلى ظاهرة اجتماعية داخل الشارع الشيعي حيث يتزايد الشعور بعدم جدوى المشاركة في عملية سياسية عقيمة مما قد يؤدي إلى انتشار ثقافة العزوف عن التصويت ويضعف قدرة القوى التقليدية على حشد الناخبين لمصلحتها وفي المقابل فإن التيار الصدري قد يعيد توظيف هذه المقاطعة لتعزيز موقعه كقوة معارضة شرسة تمتلك القدرة على تحريك الشارع خارج الأطر التقليدية للمشاركة السياسية.

هذه الخطوة ستؤدي أيضًا إلى إعادة تشكيل الولاءات السياسية في العراق حيث ستجد القوى المدنية والشرائح الشبابية الساخطة في هذا القرار فرصة لإثبات أن النظام القائم غير قادر على إحداث تغيير حقيقي وهو ما قد يفتح الباب أمام بروز تيارات سياسية جديدة أكثر قدرة على استيعاب المطالب الشعبية وقد تؤدي هذه التفاعلات إلى تزايد الدعوات لإعادة هيكلة النظام السياسي أو حتى تغييره جذريًا بما ينسجم مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية المتسارعة.

قرار الصدر بعدم خوض الانتخابات لن يؤدي إلى تراجع نفوذه بل سيزيد من شعبيته لأنه يعكس موقفًا راديكاليًا ينسجم مع حالة الإحباط العام تجاه الطبقة الحاكمة كما أنه سيؤدي إلى تحجيم قدرة الإطار التنسيقي على الادعاء بأنه يمثل الأغلبية الشعبية وهو ما قد يدفعه إلى مواجهة ضغوط داخلية لإعادة النظر في تحالفاته وسياساته خصوصًا إذا ما علمنا أن الإطار التنسيقي فقد الغطاء الاستراتيجي الخارجي أي التوازن الأمريكي الإيراني الذي كان يوفر له مساحة للمناورة السياسية فعلى المستوى الإقليمي لم يعد الإطار يحظى بالدعم المطلق الذي كان يحصل عليه سابقًا من إيران نظرًا لاختلاف أولويات طهران الاستراتيجية في المنطقة كما أن الولايات المتحدة لم تعد ترى فيه شريكًا يمكن الاعتماد عليه مما يجعله أكثر عرضة للتحديات الداخلية ويقلل من هامش حركته في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة.

فوق ذلك فإن مقاطعة الصدر ستزيد الضغط الخارجي على النظام السياسي العراقي إذ ستُقرأ هذه الخطوة دوليًا على أنها دليل على تفكك العملية السياسية وعدم قدرتها على استيعاب القوى الأساسية في البلاد مما سيعزز من المواقف الإقليمية والدولية المتشددة تجاه الحكومة العراقية ويضعها في موقف صعب أمام شركائها الدوليين فضلًا عن تزايد المخاطر الداخلية التي قد تترتب على غياب التيار الصدري عن المشهد الانتخابي فالتيار لا يزال يمتلك القدرة على تحريك الشارع في أي لحظة وغيابه عن المؤسسات الرسمية قد يدفعه إلى تبني نهج أكثر تصعيدًا في مواجهة السلطة مما سيؤدي إلى اضطرابات سياسية قد تزعزع الاستقرار الداخلي.

إن القيادة الصدرية تدرك أن المشاركة الانتخابية في ظل التحديات الراهنة التي تواجه العملية السياسية من جهة وقوى الإطار التنسيقي من جهة أخرى قد تصب في صالح قوى الإطار وتحميه من هذه التحديات إذ أن الدخول في الانتخابات يعني منح الإطار شرعية المنافسة وتقليل حدة الأزمة التي يواجهها داخليًا وخارجيًا بينما المقاطعة ستجعله في موقف ضعيف أمام جمهوره وأمام المجتمع الدولي الذي يتابع المشهد العراقي عن كثب وبالتالي فإن هذه الاستراتيجية تعكس رؤية متقدمة في فهم التوازنات السياسية ومحاولة إعادة صياغتها لصالح مشروع التيار الصدري على المدى البعيد.

في النهاية فإن هذه المقاطعة قد تكون بداية لمرحلة جديدة من التفاعلات السياسية التي قد تؤدي إلى إضعاف النظام السياسي القائم وإعادة تشكيل المشهد العراقي وفق معادلات جديدة تتجاوز الأطر التقليدية القائمة.