في عصر رقمي تتسع فيه القدرة على إغراقنا بالمعلومات ويتصاعد فيه الضجيج الإعلامي، يبدو أن الإعلام المُسوق للفضائح أضحى بمثابة وحش ينهش في الوعي ويتقن لعبة الإلهاء بامتياز. فهو ليس مجرد انعكاس لواقع اجتماعي مليء بالعيوب، بل هو أداة تشكيل لهذا الواقع وسلاح يُستخدم لتحويل الانظار عن القضايا الجوهرية التي تمس جوهر الحياة وتمس شريحة واسعة من المجتمع؛ تلك الطبقة الفقيرة التي تكافح من أجل البقاء.
ما يقبع خلف هذا الانحراف المتعمد، أهو مجرد عطش للاثارة، أم أن هناك أجندات خفية، تتلاعب بالوعي الجمعي وتوجهه نحو الاهتمامات التافهة؟ أليس من المفارقة أن نجد الكثير منشغل بأخبار انفصال نجم عن زوجته، أو فضيحة أخلاقية لأحد المشاهير أو رجل أعمال، بينما تتراكم فوق الرؤوس قضايا البطالة، والفقر، والظلم الاجتماعي، كغيوم تتهدد مستقبلنا.
إعلام الفضائح في جوهره تعبير عن ثقافة الاستعراض التي تقدس الصورة على حساب الجوهر وتغذي شهوة الفضول التي تقتلالقدرة على التفكير النقدي وتحول الناس إلى جمهور صامت يتفرج على مسرحية الحياة.
ثمة من يشخص حالة من الاستسلام لهذا الإلهاء لا سيما مع تزايد قدرة الإعلام بأدواته المتطورة على سرقة قدرة التركيز على ما هو مهم. إن هذا الإعلام ليس سوى مرآة عاكسة للضعف والقابلية علىالانقياد وللشغف بالاستعراض فيما تكمن المواجهة إما بالتمرد والرفض بغية انقاذ العقول من براثن التوافه، وأن تعاد للكلمة قيمتها وللصورة معناها أو نصبح مجرد متفرجين لا غير.
في حقيقة الأمر هذا الصنف من الإعلام يعد أداة قوية لإعادة تشكيل الواقع، وتوجيه بوصلة الاهتمام بعيداً عن مسارات التغيير الحقيقي، فالتركيز المفرط على الهامشي، وعلى التفاصيل التافهة لحياة المشاهير وعلى دراما العلاقات الشخصية ليس مجرد مضيعة للوقت، بل هو بمثابة ضباب كثيف يحجب عنا الرؤية الواضحة للقضايا الجوهرية التي تشكل الواقع.
كم من الوقت والجهد يهدر لمتابعة أخبار أقل ما يقال عنها تافهة وعديمة الجدوى، بينما تتراكم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية كجبال جليدية، وتناسي او التغافل عن سياسات التعليم والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية، في الوقت الذي تغرق فيه وسائل الإعلام في بحر من الفضائح والإثارة.
الإعلام عموما ليس كياناً محايداً بل هو انعكاس لمصالح معينةورؤى محددة، بيد أن القدرة على تمييز هذه المصالح والرؤىوتقييمها بشكل موضوعي قد تعيق عملية تحول الجمهور إلى رهائن لوسائل الإعلام “الأصفر” واجنداتها.