سوف نتحدث في هذه المقالة عن شهر رمضان المبارك في تسعينيات القرن الماضي عندما استقر بنا المطاف في العاصمة بغداد، حيث لاحظت اختلافًا بين العديد من العادات والتقاليد الرمضانية الموجودة في المحافظات وبين العاصمة بغداد. أولها قدسية هذا الشهر المبارك، ففي العاصمة بغداد لم أجد أي قدسية أو شعور بأنك تعيش أجواء رمضانية. على العكس، الأغلبية من سكان العاصمة كانوا يفطرون علنًا بحجج واهية.
أما الصائمون، فتجدهم دائمًا يلجأون إلى وضع مناشف مبللة بالماء فوق رؤوسهم، ورغم أن الأجواء كانت حارة فعلاً، إلا أن هذا لا يعطي حجة للإفطار العلني. كانت أغلب المطاعم مفتوحة أمام الزوار، وكان الناس يترددون عليها بصورة علنية.
كانت السُفرة الرمضانية عند الإفطار مختلفة بعض الشيء، فتجد أن الشنينة أو ما يسمونها هناك بالروبة موجودة مع التمر المتعدد بأنواعه، وكذلك شوربة الماش موجودة على مائدة الإفطار بدلاً من شوربة العدس، ويكون لونها أخضر وليس اللون الأصفر الموجود في العدس. كذلك توجد مادة الطرشانة، والتي نسميها في الموصل القيسي، ومخلوطة معها مادة أخرى تسمى العلوچة. وكانت الموائد الرمضانية يتوفر فيها اللحوم والدجاج والرز الذي يعتبر من أقوى المأكولات في كافة الموائد العراقية.
وأيضًا هناك تجد اختلافًا في الأوقات، على اعتبار أنك تعيش بين عدة مذاهب إسلامية، فالقسم يفطر عند غروب الشمس بينما القسم الآخر يتأخر عنهم ربع ساعة تقريبًا، وهذا ربما يسبب إحراجات للضيف عندما يكون صائمًا وهو في منزل صديق له من مذهب آخر.
أما الأسواق فكانت عامرة ببضائعها ومتوفر فيها كل شيء.
وتبقى بغداد بشوارعها وأسواقها ومناطقها السكنية زاهية عامرة جميلة في كل شيء. ما أجملها وأنت تقوم بزيارة مراقدها المقدسة وتشاهد وجبات الإفطار هناك، والتي عادة ما يقوم بالتبرع بها من قبل عوائل بغدادية معروفة وأشخاص قد وضعوا ثقلهم المادي لتحضير هذه الوجبات.
وعلى اعتبار أن بغداد تجمع من كل أبناء المحافظات العراقية كونها العاصمة، فلذلك تجد هناك اختلافات في بعض الأشياء ربما لا تؤثر على المضمون الأساسي لصيام شهر رمضان.
أما بالنسبة لصلة الأرحام والتواصل الاجتماعي، فلم يكن بالمستوى المطلوب، خاصة في المناطق المعروفة بالراقية في بغداد، حيث أنك لا تجد اي صفة اوعلاقة تواصل بين الجيران كون الجميع يهتمون بعوائلهم فقط. وما يلفت الأنظار أنك تجد أغلب العوائل بعد الإفطار يتوافدون إلى المراقد الدينية أو إلى المتنزهات لقضاء الوقت إلى حين موعد السحور…