الذكاء الاصطناعي سلاح الأحزاب والمرشحين السري للسيطرة على عقلية الناخب بالانتخابات البرلمانية العراقية القادمة!

الذكاء الاصطناعي سلاح الأحزاب والمرشحين السري للسيطرة على عقلية الناخب بالانتخابات البرلمانية العراقية القادمة!

كشفت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق قبل أيام، عن الآلية المعتمدة لتحديد موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، مؤكدة ضرورة التزام الموعد المحدد بالقانون الانتخابي رقم 12 لسنة 2018 المعدل، وأن موعد إجراء الانتخابات يجب أن يكون قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية بـ 45 يوما. وبما أن الدورة البرلمانية الحالية بدأت أولى جلساتها في 9 يناير 2022، وبناءً عليه، فإن الانتخابات التشريعية المقبلة لا يمكن أن تجرى قبل 25 نوفمبر 2025 والقرار النهائي لتحديد الموعد سوف يعتمد على التنسيق المباشر بين رئاسة الوزراء ومفوضية الانتخابات، وبما يضمن الالتزام بالمدة الزمنية المحددة في القانون.

أدهشني كثيرًا أنه، وحتى هذه اللحظة، بأنه لم يتناول الكتاب والصحفيون أو الإعلاميون، وحتى من خلال البرامج الحوارية السياسية، فكرة عمل توظيف “الذكاء الاصطناعي” لخدمة المرشحين في الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة. هذا الصمت المثير للتساؤل يأتي رغم أن دولًا عربية وغربية قد سارعت بالفعل إلى تبني هذه التكنولوجيا لغرض الاستعداد لدخول هذه التقنية في عمل صياغة مشروع برنامج انتخابي تكون مقنعة للناخب بصورة أكثر حداثة من اعتمادها على تفكير الجهد البشري ، ومستفيدة بالوقت نفسه من إمكانياتها التقنية الثورية المتعددة , التي أصبحت اليوم تستخدم في كافة المجالات الحياتية اليومية، وكذلك لتمكين المرشحين من الوصول إلى الناخبين بأسرع السبل وأكثرها فعالية وحيوية، مما يضع المرشح والناخب على حد سواء أمام تحدٍ عاجل للحاق بهذا الركب التكنولوجي المتقدم.

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية، تبرز الحاجة الملحة لتطوير استراتيجيات انتخابية مبتكرة تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي. في هذا السياق سوف نحاول قدر الإمكان التعريف بهذه الميزة التقنية لغرض استغلالها بصورة شرعية للوصول إلى إقناع الناخب ليضع بطاقته الانتخابية في الصندوق الانتخابي , وتمثل هذه البطاقة الفيصل في فوز أي مرشح بهذه الانتخابات ومدى قدرته على إقناعه بأنه هو الأنسب دون غيره في تحقيق الطموحات التي ينشدها الناخب لتحقيق أحلامه في حياة اجتماعية واقتصادية والرفاهية في تقديم الخدمات بكافة المجالات ، حيث يمثل “الذكاء الاصطناعي” التوليدي وتطبيقاته أداة ثورية يمكن لمرشحي مجلس النواب ومجالس المحافظات، سواء من الأحزاب السياسية أو المستقلين، استغلالها بصورة صحيحة لتعزيز حملاتهم الانتخابية بكفاءة عالية وتكلفة منخفضة. فهل المرشحون مستعدون لتبني هذه التقنية الحديثة وامتلاك العقلية التقنية اللازمة لخوض غمار هذه المعركة الانتخابية؟صحيح أنه في بعض الأحيان يساهم “الذكاء الاصطناعي” إذا أسيئ استخدامه بغرض نشر الأخبار المغلوطة والمفبركة وحتى الإشاعات المغرضة، حيث يمكن استغلاله لإنتاج محتوى مزيف يبدو واقعيًا للغاية، مما يسلط الضوء على قضية أخرى قد تكون ما تزال خافية وحتى تحيز والتي قد تُوظف لتشويه الحقائق. ومن هذا المنطلق ، تبرز الحاجة الملحة إلى وضع إطار قانوني صلب يضمن توجيه هذه التقنيات نحو استخدام مسؤول وأخلاقي في المجال السياسي , ولذا على مجلس مفوضية الانتخابات والدوائر والمؤسسات الحكومية ذات الصلة , بالإسراع وعن طريق إصدار تشريعات وقوانين تكون ملزمة لجميع المرشحين وذلك للحفاظ على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.

*الذكاء الاصطناعي قد يكون مفتاح النجاح للمرشح ومن خلال التواصل الفعّال مع الناخبين:

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، أصبح “الذكاء الاصطناعي” أحد الأدوات الرئيسية التي يمكن أن تسهم في إعادة تشكيل المشهد الانتخابي. ويتيح بدوره للمرشحين تحليل البيانات الضخمة، وفهم توجهات الناخبين، وصياغة رسائل سياسية موجهة بدقة تلبي احتياجات الفئات المختلفة من الجمهور. على سبيل المثال، يمكن للأحزاب والمستقلين الاستعانة بالخبرات التقنية العراقية المتخصصة لتطوير استراتيجيات تعتمد على هذه التقنيات، مما يعزز من سهولة قدرتهم على التواصل بفعالية مع الناخبين ويمنحهم ميزة تنافسية في السباق الانتخابي. ومن أبرز التطبيقات العملية لهذه التقنية وعلى سبيل المثال وليس الحصر : إنشاء صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي تحتوي على محتوى مركز ومختصر يشرح فيها المرشح بوضوح وسلس برنامج الانتخابي. وكما يمكن الاستفادة من الرسائل النصية الموجهة، التي يتم إرسالها بالتعاون مع “هيئة الإعلام والاتصالات” وشركات الهاتف النقال، مقابل اشتراكات رمزية محددة مسبقًا. هذه الرسائل بدورها، والتي يمكن أن تستهدف فئات معينة ومحددة مثل الشباب أو الناخبين المهتمين بقضايا بيئة واقتصادية وثقافية واجتماعية، توفر بديلاً اقتصاديًا وفعّالًا للحملات التقليدية التي تعتمد على اللوحات الإعلانية الكبيرة واليافطات والتي تأخذ حيزآ كبيرآ وتشوه معالم المدينة.

*مزايا الذكاء الاصطناعي وتحدياته:

لا تقتصر فوائد “الذكاء الاصطناعي” على تقليل التكاليف المادية فحسب، بل تمتد لتشمل تحسين جمالية المدن العراقية، وعلى رأسها العاصمة بغداد. فبدلاً من اللافتات الضخمة التي تشوه المنظر العام وتتعدى أحيانًا على الأملاك العامة والخاصة، يمكن للمرشحين التحول إلى حملات رقمية تعتمد على “الذكاء الاصطناعي” لتحليل المزاج العام واستطلاع آراء الناخبين. هذا التحول لن يعزز من كفاءة الحملات فحسب، بل سيسهم أيضًا في الحفاظ على نظافة وجمالية الشوارع والمتنزهات العامة. ومع ذلك، لا يخلو استخدام هذه التقنية من مخاطر. ففي الجانب السلبي، قد يتم استغلال هذه التقنية لأغراض غير أخلاقية، مثل نشر صور أو مقاطع فيديو مفبركة تهدف إلى تشويه سمعة المرشحين المنافسين. هذه الممارسات قد تؤدي إلى تضليل الناخبين وتقويض نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، مما يستدعي وضع ضوابط قانونية وأخلاقية لاستخدام هذه التقنيات.

*حسم نتائج المعركة الانتخابية للمرشحين والأحزاب في العصر الرقمي:

لم تعد المعركة الانتخابية تقتصر على المنابر والخطب الحماسية، وتوزيع الهدايا العينية والمادية والسلات الغذائية والماكولات , بل انتقلت إلى الفضاء الرقمي حيث تُصاغ الرسائل السياسية بعناية وتوجَّه بدقة إلى الناخبين. تتيح أدوات “الذكاء الاصطناعي” اذا تم استخدامها بصورة صحيحة من قبل مختصين يمكن الاستعانة بهم  , مثل تحليل البيانات باستخدام التعلم الآلي وروبوتات الدردشة التفاعلية، و للمرشحين تخصيص حملاتهم وفق احتياجات كل فئة من الجمهور، مما يعزز من فعاليتها ويقلل من الهدر في الموارد المادية . على سبيل المثال، يمكن للأحزاب جمع بيانات من منصات التواصل الاجتماعي واستطلاعات الرأي لتحديد المناطق ذات الأهمية الانتخابية، ومن ثم توجيه رسائل مخصصة تتماشى مع تطلعات الناخبين في تلك المناطق و المدن والاقضية والقرى.

*أبرز التحديات والاستعداد والخبرة لكل من مرشح الأحزاب والمستقلين:

رغم هذه الإمكانيات الهائلة، يبدو أن الأحزاب السياسية العراقية لا تمتلك بعد الخبرة الكافية للاستثمار “الذكاء الاصطناعي” بفعالية. بالانتقال إلى استراتيجيات رقمية متكاملة يتطلب موارد مالية وبشرية، بالإضافة إلى تدريب الكوادر على استخدام هذه التقنيات. ومع ضيق الوقت، يتعين على الأحزاب والمرشحين البدء فورًا في بناء قدراتهم التقنية لضمان الاستفادة القصوى من هذه الأدوات في الانتخابات المقبلة.

*شكل وطبيعة التحالفات السياسية والاستعداد التقني لها وكيفية إدخال الحاضنة والقاعدة الشعبية في داتا البيانات بالذكاء الاصطناعي للاستفادة منها:

في تطور لافت يعيد تشكيل المشهد السياسي العراقي، يبرز رئيس الوزراء الحالي “محمد شياع السوداني” كقوة لا يستهان بها في السباق الانتخابي المقبل، معلنًا نيته خوض المعركة بقائمة مستقلة تحت اسم “تيار الفراتين” هذه الخطوة الجريئة تكشف عن طموح “السوداني” الواضح لتعزيز نفوذه السياسي، متجاوزًا عباءة “الإطار التنسيقي الشيعي” ومستندًا إلى سجل إنجازات حكومته التي نالت تأييدًا شعبيًا لافتًا، وإن كان نسبيًا في بعض المجالات . وفي تحدٍ صريح للكتل التقليدية، يراهن “السوداني” على استقطاب أصوات الطبقة الوسطى والشباب والفئات الفقيرة المهمشة ، الذين أصابهم الإحباط من عجز الأحزاب الشيعية التقليدية عن تحقيق أي تقدم ملموس للمواطن خلال أكثر من عقدين من الزمن.

في سياق متصل، وبالمقابل تتجه جميع الأنظار نحو بيضة القبان المتمثل بزعيم التيار الوطني الشيعي، السيد “مقتدى الصدر” وبينما يواصل لغاية الان زعيم التيار الصدري  اعتماده على أسلوب استراتيجية الغموض، محيرًا خصومه ومعززًا موقعه كلاعب حاسم قد يقلب الموازين إذا حقق اختراقًا كبيرًا. ومع ذلك، تتزايد التكهنات حول احتمالية وجود تحالف بين “السوداني” و”الصدر” لتشكيل معآ جبهة قوية تستند إلى قاعدة شعبية واسعة تجمع بين أنصارهما . وفي حال انضم إليهما تحالف “السيادة” الذي يضم “تقدم / 38 مقعدا “بقيادة محمد الحلبوسي و”عزم / 15 مقعدا ” بزعامة خميس الخنجر، فقد يصبح تشكيل الحكومة المقبلة حكرًا عليهم، مما يضع جميع أحزاب الاسلام السياسي التقليدية والفصائل الولائية ضمن “الإطار التنسيقي” في موقف بالغ الحرج. على الرغم من أن هذه التحالفات لا تزال ضمن إطار التكهنات والتحليلات، إلا أن استغلال “الذكاء الاصطناعي” قد يكون العامل الحاسم في تعزيز قاعدتهم الجماهيرية فإذا ما تم توظيف هذه التقنية بكفاءة، ومع فتح الباب أمام انضمام أحزاب ومستقلين إلى قائمتهم الانتخابية، قد يتمكن هؤلاء من تحقيق فوز ساحق يتجاوز على أقل تقدير ما بين ” 120 الى 150 “مقعدا من أصل 325 مقعدًا برلمانيًا.

ورغم التقارير التي تشير إلى نية “الإطار التنسيقي” خوض الانتخابات بقوائم متفرقة، إلا أن هذه الفكرة لا تزال مجرد تكهنات تُطرح في البرامج الحوارية أو المناسبات السياسية والدينية، دون أي تأكيد ملموس حتى الآن. من جهته، يبدو “التيار الصدري” مصممًا على عدم تكرار سيناريو الانتخابات السابقة، حيث حصد “73” مقعدًا لكنه فشل في تشكيل الحكومة، بعد أن شهدت الجلسة البرلمانية الأولى صدامات ومشاحنات كلامية حادة حول الكتلة الأكبر المخولة بقيادة العملية السياسيةبهذا، تتجه الأنظار نحو الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث يتصارع الطموح السياسي والمناورات الاستراتيجية لرسم ملامح الحكومة القادمة، في ظل تحديات قد تعيد تعريف موازين القوى في العراق

ولكن السؤال الأهم يبقى: هل الأحزاب والمرشحون مستعدون فعلاً لتبني هذه التقنية التكنلوجية؟ مع تبقي أشهر قليلة على موعد الانتخابات، يبدو لنا بأن الوقت يضيق أمام من لم يبدأوا بعد بالتحضير مبكرا لخوض غمار الصراع الانتخابي. ففي حين لا يزال البعض يعتمد على اليافطات التقليدية التي تتعرض للتخريب أو تتأثر بالعوامل الجوية، تتطلب المنافسة في العصر الرقمي مواكبة التطورات التكنولوجية بشكل يومي ومستمر لتحقيق النجاح الانتخابي .

وأخيرا وليس آخرا قد تتكرر التجربة الانتخابات البرلمانية السابقة والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 41% ويتخوف الكثير من الأحزاب ومرشحيها بان النسبة المشاركة القادمة قد تكون اقل بكثير نظرا لعدم الإيفاء بالوعود الانتخابية لمعظم الذين حصلوا على مقاعد برلمانية , وتبين بعد ذلك بان همهم الوحيد الاستفادة القصوى من الرواتب والحمايات والكثير من المميزات المادية والمعنوية حيث ينظر الى المقعد الانتخابي بأنه مجرد تشريف ووجاهة اكثر من ما يكون تكليف لخدمة المواطن ، وبالعودة يمثل “الذكاء الاصطناعي” فرصة ذهبية للمرشحين في الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة لتحقيق تواصل أكثر تأثيرًا مع الناخبين بتكلفة أقل وكفاءة أعلى. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التوجه يعتمد على مدى استعداد الأحزاب والمستقلين للتكيف مع هذا التطور التقني وتجاوز الأساليب التقليدية. فهل سيكون الذكاء الاصطناعي هو المفتاح لتحقيق فوز ساحق في الانتخابات القادمة، أم ستظل اليافطات الورقية والمعدنية هي الخيار المفضل للبعض؟ الإجابة تكمن في مدى سرعة استجابة المرشحين لهذا التحول الرقمي الذي لم يعد ترفًا، بل ضرورة حتمية. 

[email protected]

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات