إنّ ألفصول 40-55 من كتاب أشعيا، تشكّل مؤلفا على حدة، معروفا تحت إسم (أشعيا ألثاني) وهذا ألنص حرر في ألسنوات ألاخيرة من ألنفي البابلي، من قبل كاتب مجهول.
وألرسالة تتناقض بقوّة مع نبؤات أخرى، بتفاؤلها وأيضا بتفسيرها ألجريء للتاريخ ألمعاصر. فألملك ألكبير قورش أداة ليهوه يهيء لخراب بابل. وإنّ أولئك ألذين أعتقدوا بعظمة ألآلهة ألبابلية سرعان ما يختلط ألأمر عليهم لأنّ هذه ألآلهة مجرد أصنام غير ذات حول وعاجزة، ويهوه وحده هو ألإله: ” هكذا قال ألرب ملك إسرائيل وفاديه رب ألجنود، أنا ألأول وأنا ألآخر ولا إله غيري” (44-6 وكذلك 45-8-22)، ” إنني إله لا مثيل له، إله لا شبه له” (46:9).
إنّه يتعلق بتأكيد أكثر جذرية لوحدانية نموذجية، نظرا لأنّ وجود لآلهة أخرى قد نفي.
فألخليقة كما هو ألتاريخ أيضا، هو إذن كألنفي وألتحرير كلها من عمل يهوه، إنّ تحرير ألمنفيين قد تمّ تفسيره بخروج جديد، ولكنه يتعلق هذه ألمرة بعودة ظافرة، وألخروج ألجديد لن يكون سريعا: ” إنّكم لا بعجلة تخرجون ولا كمن يهرب تسيرون بل أمامكم يسير ألرب وجمعكم إله إسرائيل” (52:12). وبعض ألشعوب ألأخرى ستكون محصورة في ألأفتداء ألذي يتم ألوعد به ” توجهوا إليّ، فأخلصوا يا جميع أقاصي ألارض فإنّي أنا ألله وليس آخر” (45:22). ومع ذلك فإنّ إسرائيل سيتمتع دوما بوضعه ألمتميّز، وهو أنّه ألشعب ألسائد.
إنّ سقوط أورشليم، وإنهيار مملكة جودا وألنفي، كانت جميعها ألأحكام ألإلهية ألمعلنة من قبل كبار ألأنبياء، وألآن أكتمل ألعقاب، ويهوه جدد ألحلف، وفي هذه ألمرة سيكون ألحلف أبديا (55:3)، وألأفتداء لا رجعة فيه (45: 17 : 5 :6 ) لأنّه ” في سورة غضب حجبت وجهي عنك لحظة، وبرأفة أبدية، أرحمك قال فاديك ألرب” (54 :8 ).
إنّ ألأسرى ألمنفيين، وقد حرروا من قبل الرب يهوه سيرجعون إلى صهيون (51-11).
إنّ كاتب أشعيا ألثاني يعتبر هو أوّل نبي أخروي يهودي، فهو يعلن في ألواقع عن فجر عهد جديد، إنّ نبؤة أشعيا ألثانية تمثّل تدشين عصر جديد كتأريخ مأساوي، متضمنا سلسلة من ألأعمال ألمعجزة ألمحددة من قبل ألرب:
1- خراب بابل من قبل يهوه بواسطة أداته قورش أو بواسطة إسرائيل.
2- فداء إسرائيل، أي تحرير ألمنفيين وأجتياز ألصحراء وألوصول للقدس وتجميع كل أولئك الذين كانوا مشتتين في العالم ورجوع يهوه لصهيون.
3- تحوّل ألبلاد بواسطة أعادة ألبناء وتعدد ألجماعات وتكاثرها لا بل وحتى بتغيرات على اسلوب فردوسي.
4- إهتداء ألأمم بيهوه ورفضها لآلهتها.
أنّ هذا ألسيناريو ألأخروي سيعاد أخذه وتطويره من قبل ألأنبياء ألمتأخرين، ولكن أحدا منهم لم ينجح في مساواة ألقدرة ألرؤية وألعمق ألروحاني لأشعيا ألثاني.
ثمة أربعة قصائد مسماة أغاني ألخادم تعبّر بطريقة أصولية ومأساوية عن آلام ألشعب أليهودي ومن ألمرجّح أنّ خادما ليهوه ( أبيهيدياهيفه) يشخّص ألنخبة أليهودية ألمنفية، وإنّ آلامه أعتبرت كتكفير عن ذنوب ألشعب برمته، فقد تقبّل هذا ألخادم ليهوه كل ألمصائب: ” لقد أدرت ظهري لأولئك ألذين ضربوني.. ولم أبعد وجهي عن ألأهانات وألبصاق” (50-6).
إنّ محنة ألنفي حسب أشعيا ألثاني هي أضحية، بفضلها محيت ذنوب إسرائيل.
إنّ ألعهد ألجديد وألتفسير ألمسيحي رأيا في (ألخادم ليهوه) ألمقدمة للمسيح وقد شجّع عدد من ألمشاهد هذا ألتفسير لأنّ “يهوه أسقط على نفسه جرائمنا كلنا”، و”كخروف يقاد إلى ألسلخ”، و”لا يفتح فمه من أجل ذنوبنا”، و” لقد ضرب حتى ألموت” (53: 61-8). أكثر من هذا أيضا:
سيجعل يهوه من (خادمه) نور ألأمم، ومن أجل أن يدرك سلامي (أقطار ألأرض).. (49: 6).
إنّ هذه ألنصوص تصنّف من بين قمم ألفكر ألديني ألعبري، فإعلان ألسلام ألشامل عبر محن (خادم يهوه) تبشّر بالمسيحية.
نلاحظ مما سبق أعلاه ما يلي :
1-أنّ يهوه أستخدم ألملك ألكبير قورش كأداة لعقاب ألبابليين أعداء ألشعب أليهودي على عكس تصرفات يهوه في ألأجزاء ألأولى من ألتوراة، حيث أنّ يهوه كان يعاقب شعب إسرائيل مباشرة عندما كانوا يذنبون.
هنالك أسلوبان مختلفان للثواب وألعقاب في اليهودية وألإسلام، ألأسلوب ألمباشر كأنْ يٌنزِل ألله صاعقة مِنْ ألسماء على ألعاصي أوألمُذنِب فيُحرقه بعد أقترافه ألمعصية في ألحياة ألدنيا وكما حدث لبعض أليهود عندما عصوا أو خالفوا موسى وربَّه (( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُبِينًا )) سورة ألنساء، ألآية 153، وقد عاقب ألله أيضا بعض ألأقوام ألبائدة بصورة مباشرة كقوم فرعون (( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ))…سورة ألأعراف، ألآية 133، وقوم عاد وثمود (( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ))…سورة فُصِّلت، ألآية 13، وقوم نوح (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ))…سورة ألعنكبوت، ألآية 14، فلمْ يُمهِل ألله هؤلاء حتّى يوم ألقيامة.
كما نلاحظ أنَّ ألله لَمْ يَستخدِم هذه ألأساليب ألمباشرة للعقاب في حقبة ألدعوة ألأسلامية بألرغم مِنْ طَلبْ ألمُشركين مِنْ ألله أنْ يُمطِرَ عليهم حجارة مِنْ ألسَّماء لكي يُصدّقوا بأنَّ محمّدا نبيُّ يوحى إليهِ (( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ *وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * )) سورة ألأنفال، ألآية 31- 33.
وكمثال على ألثواب ألمُباشِر فنلاحظ أنَّ ألربَّ كافأ أليهود لإطاعتهم موسى بألمنِّ وألسلوى وأنقذهم مِنْ فرعون وجنوده بشق أليَمِّ بواسطة عصا موسى ألسحرية.
أمّا ألاسلوب ألغير ألمباشر للثواب وألعقاب في ألأديان ألأبراهيمية فهو ألوعد بألجنّة كثواب وبالجحيم كعقاب. إنَّ ألثواب في ألدين ألأسلامي يكون مؤجلّا إلى يوم ألقيامة ويتحقق بإدخال ألمؤمنين إلى جنّات عدْنٍ تجري مِنْ تحتها ألأنهار خالدين فيها أبدا، وهنالك مُغريات أُخرى في ألجنّة كأنهار ألخمر وأللبَن وألعسل وقصور وظلال وحوريات جميلات يستطيع ألمؤمِن مُمارسة ألجنس معهنَّ أنّى يشاء، كما يوعَد ألمؤمِن بألخدمة مِنْ قِبل غلمان ذو حُسن وجمال فائق (( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ))…سورة ألإنسان، ألآية 19.
2-ظهور نغمة جديدة أواشارة لعالمية ألدين أليهودي (إهتداء ألأمم بيهوه ورفضها لآلهتها) على عكس ألتوكيدات ألسابقة في ألتوراة ( شعب ألله ألمختار).
3- بأعتقادي أنّ قصائد ألمسماة أغاني ألخادم قد أثّر في أفكار ألمسيح أو كتبة ألأناجيل ((إنّ ألعهد ألجديد وألتفسير ألمسيحي رأيا في (ألخادم ليهوه) ألمقدمة للمسيح وقد شجّع عدد من ألمشاهد هذا ألتفسير لأنّ “يهوه أسقط على نفسه جرائمنا كلنا”، و”كخروف يقاد إلى ألسلخ”، و”لا يفتح فمه من أجل ذنوبنا”، و” لقد ضرب حتى ألموت” (53: 61-8). أكثر من هذا أيضا:
سيجعل يهوه من (خادمه) نور ألأمم، ومن أجل أن يدرك سلامي (أقطار ألأرض).. (49: 6).
إنّ هذه ألنصوص تصنّف من بين قمم ألفكر ألديني ألعبري، فإعلان ألسلام ألشامل عبر محن (خادم يهوه) تبشّر بالمسيحية )).
مصادر البحث:
تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد
ألتوراة
ألقرآن