رمضان بين الماضي والحاضر – المقالة السادسة عشرة

رمضان بين الماضي والحاضر – المقالة السادسة عشرة

بعد أن تحدثنا في المقالات الخمسة عشرة السابقة عن الصيام وما يرافقه في القرى والمناطق الريفية من عادات وتقاليد هناك ، لا بد لنا أن نتناول هنا شهر رمضان المبارك والعادات ووجبات الإفطار في المدن بعيدًا عن القرى والأرياف. فقد كان النظام في المدينة خلال شهر رمضان مختلفًا كليًا وجذريًا عن الصيام هناك، بسبب توفر الكثير من وسائل الراحة في المدن، والتي كانت تعاني من نقصها الأرياف. فقد كان الصيام في المدينة يتبع وقتًا دقيقًا ومحددًا تحدده المساجد والجوامع، وكان موعد الإفطار وموعد الإمساك معروفًا لجميع أبناء المدينة، يسمعونه من خلال مكبرات الصوت الموجودة في مآذن الجوامع. وكانت أغلب جوامع المدينة، وخاصة في مدينة الموصل تقوم وجبات افطار لعابري السبيل من خلال ما يقوم الأهالي بالتبرع ببعض الطعام وإرساله مع أبنائهم إلى الجامع، حيث يتناول المصلون هناك وجبة الإفطار في فضاء المسجد بعد الانتهاء من صلاة المغرب. وتجد أن الشخص العابر أو المسافر أو الغريب يجد وجبة إفطاره كاملة في هذا الجامع من خلال ما تجود به العوائل وترسله مع أبنائها…
 كانت الأسواق مزدحمة دومًا وعامرة بموادها الغذائية، قبل بداية الشهر فتجد منطقة باب الطوب أو باب السرايا تعج بالزوار المتبضعين والمتسوقين لحاجاتهم من هناك. وتجد العوائل الموصلية قبل رمضان يهيئون أنفسهم ويقومون بشراء وتخزين أغلب المواد الغذائية الضرورية مثل الأرز والبرغل والمعجون والعدس والتمر والقيسي، إضافة إلى أنواع المواد الغذائية التي يتم تحويلها إلى عصائر طبيعية…
كانت العوائل تجتمع دومًا على سفرة كبيرة عامرة بخيرات من أنواع الأطعمة، وكانت ربات البيوت يجيدن طبخ بعض الأطباق التي تواجه المرأة الريفية صعوبة في تحضيرها بسبب توفر المطبخ العصري في المدينة وتوفر كل وسائل النظافة ووسائل الراحة هناك. فصنبور الماء الموجود داخل كل منزل او ما نسميه الحنفية، إضافة إلى الطباخات الحديثة التي تعمل على مادة الغاز السائل أو السخان الكهربائي الموجود عند بعض العوائل، يساعدان بتسهيل  تحضير وطبخ وجبة غذائية معينة.
إضافة إلى أن الأمهات في ذلك الزمان في المدينة لديهن الخبرة في إعداد بعض أطباق الطعام الخاصة وكذلك إعداد بعض أنواع الحلويات، علمًا أن أغلب هذه المواد كانت متوفرة في الأسواق وقريبة من منازلهم. ولكن أغلب النساء كانت تؤدي واجبها في أحسن صورة، الغاية منها مساعدة الرجل وتقليل المصروف اليومي للعائلة…
وإلى مقالة أخرى إن شاء الله… رمضان كريم…