خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
انتشرت مؤخرًا الكثير من الأخبار عن رغبة إدارة “دونالد ترمب” في التفاوض مع “إيران”؛ تلك الأخبار التي توحي بأن الرئيس الأميركي خيّر المسؤولين الإيرانيين بين المفاوضات أو الحرب والقضاء على المنشآت النووية والحساسة في البلاد. بحسّب ما استهل “محمد مهدي مظاهري”؛ تقريره المنشور بصحيفة (اسكناس) الإيرانية.
وبالنظر إلى طريقة تعامل إدارة “ترمب”، مع الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، بـ”البيت الأبيض”، ومشاهد إهانته من الرئيس الأميركي ونائبه، لم يكن رد المسؤولين الإيرانيين السلبي على المطلب الأميركي بالتفاوض غريبًا.
سياسة “العزة والكرامة” الإيرانية..
وأعلن مسؤولونا مع التمسك بمبدأ: “العزة والكرامة” في السياسة الخارجية، رفض التفاوض مع بلطجي أو مع من يتعامل من موقع التفوق، وأنهم لا يعتبرون مثل هذا الأمر تفاوضًا من الأساس.
وربما لم يكن الرد الإيراني مفهومًا بالنسبة للكثيرين، قبل تداول الصور والفيديوهات المؤسفة لإهانة “زيلينسكي”؛ في “البيت الأبيض”، لكن الآن يبدو أن العالم أجمع أصبح يفهم بشكلٍ أفضل مسألة أن “إيران” لا تُريد أن تضع نفسها في الظروف التي وُضعت فيها “أوكرانيا”، وأنها لن تسمح للرئيس الأميركي بالتصرف بمثل هذه الطريقة الاستفزازية؛ لا سيّما وأن الرئيس الأميركي يتصور؛ (كما الحال مع أوكرانيا)، أن “إيران” تُعاني من الضعف والإنهاك بعد “حرب غزة ولبنان” وسقوط؛ “بشار الأسد”، واغتيال قادة المقاومة، ومن ثم فهي مضطرة للرضوخ لأي شروط وإملاءات تُفرضها “الولايات المتحدة الأميركية. وعليه يبدو أن رفض المفاوضات السلطوية في هذه المرحلة كان سياسة ذكية بامتياز.
استفادة الكيان الصهيوني..
مع هذا لا يجب أن نتجاهل حقيقة أن الكيان الصهيوني مستَّفيد من معارضة “إيران” للتفاوض، باعتباره أحد الأطراف الفاعلة الأساسية بالمنطقة؛ إذ لا يُريد المسؤولين في هذا الكيان حل الملف النووي الإيراني عبر الوسائل الدبلوماسية، وبذلوا كل جهودهم على مدار الأشهر الأخيرة لإقناع إدارة “ترمب” بتنفيذ حملة مشتركة ضد “إيران”.
وعليه من الضروري إدارة الأوضاع؛ (مع عدم الرضوخ للمفاوضات تحت التهديد)، بحيث لا نسمح للكيان الصهيوني أن يكون الفائز النهائي في المواجهة بين “إيران” و”الولايات المتحدة”، وتوريط البلاد في حربٍ والقضاء على البُنية التحتية النووية والعسكرية التي أنفقنا على تجهيزها المال والجهد والسنوات.
وللحيلولة دون ذلك يتعين على جهاز الدبلوماسية الإيرانية، أن يُراعي في السياسية الخارجية مباديء: “الحكمة والمصلحة”، بالتوازي مع مبدأ “العزة”، وهو ما يُفرض استخدام سلوك وخطاب حكيم ومحسوب، وتجنب القرارات والإجراءات الاندفاعية وغير المحسوبة؛ وبناءً على ذلك، من الضروري في هذه المرحلة الحساسة اسناد تحديد موقف البلاد من المفاوضات والملف النووي للمتخصصين والنخب في “وزارة الخارجية”، وأن تترفع المجاميع المختلفة على الساحة الداخلية، عن طرح آراء غير مهنية للاستهلاك الداخلي، قد يكون لها عواقب دولية خطيرة على البلاد.
ما يجب على إيران فعله..
كذلك يتعين على المسؤولين في “وزارة الخارجية” الإعلان بوضوح وشفافية، أن “الجمهورية الإيرانية” لا تعارض مبدأ التفاوض، وإنما “المفاوضات غير المتكافئة”، بحيث ترفع من شرعية رد الفعل الإيراني على الصعيد الدولي، ومن ثم إيجاد داعمين لذلك الموقف، وفي هذا الإطار يمكن تقييم موقف مكتب تمثيل “إيران” في “الأمم المتحدة”؛ القائم على: “قابلية طلب المفاوضات لإزالة القلق من احتمالات عسكرة البرنامج النووي الإيرانية، للدراسة وأن المفاوضات للقضاء على البرنامج النووي السلمي الإيراني، مرفوضة وغير مقبولة”.
وعليه يجب على “إيران” إجراء مباحثات ومشاورات مختلفة ومستمرة مع دول المنطقة؛ وكذلك القوى الأوربية، وتحرص على عدم اغلاق القنوات الدبلوماسية بشكل تام.
من جهة أخرى يتعين على جهاز السياسية الخارجية الإيرانية، وصانع القرارات التحلي بالمرونة اللازمة للتخلص من المشكلات المزمنة، وأن يرفع بحكمة عبء العقوبات عن كاهل الشعب الإيراني.
علمًا أن انكار المشاكل والسكوت عليها بذريعة عدم نشر اليأس، لن يحل مشكلات البلاد. ومبدأ المصلحة يقتضي إبداء مرونة أكبر في مجال السياسة الخارجية، وتهدئة الأجواء الملتهبة التي تبلورت حول سياسات وبرامج إيران على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وعبور البلاد من مرحلة العقوبات الصعبة. ولقد كان هذا أحد وعود السيد الرئيس المحترم، وكما قال مولانا المتقين: “الوفاء بالعهد من علامات المتدينين”.