يؤدي لتبعات جيوسياسية وعسكرية عالمية .. سياسات “ترمب” تقلب موازين الصناعات الدفاعية

يؤدي لتبعات جيوسياسية وعسكرية عالمية .. سياسات “ترمب” تقلب موازين الصناعات الدفاعية

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

فيما يبدو أنها ردود أفعال لسياسات الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، الحادة تجاه الحلفاء وغير الحلفاء، بدأت الدول المستَّاءة من سياساته باتخاذ إجراءات تتعلق بالصناعات الدفاعية، وهو الأمر الذي سيجعل “واشنطن” تخسّر زبائنها على وجه السرعة.

فمؤخرًا؛ اعتزمت “كندا” إعادة النظر في شراء مقاتلات (إف-16) الأميركية؛ على خلفية التوتر مع إدارة “ترمب”، وتدرس خيارات أخرى، وفق ما ذكرت “وزارة الدفاع”، لوكالة (فرانس برس)، السبت.

فمنذ عودته إلى السلطة؛ في كانون ثان/يناير الماضي، شن الرئيس الأميركي حربًا تجارية على جارته الشمالية ويتحدث بانتظام عن جعل “كندا”: “الولاية الأميركية الحادية والخمسين”.

وذكر متحدث باسم وزير الدفاع الكندي في رسالة بالبريد الإلكتروني، أن رئيس الوزراء الكندي الجديد؛ “مارك كارني”، الذي تولى منصبه، الجمعة، يُريد: “تحديد ما إذا كان عقد شراء (إف-35)، في شكله الحالي، يُمثل أفضل استثمار لكندا؛ وما إذا كانت هناك خيارات أخرى قد تُلبي احتياجات كندا بشكلٍ أفضل”.

مواجهة “ترمب” بإجراءات قاسية..

قالت وزيرة الخارجية الكندية؛ “ميلاني جولي”، يوم الجمعة، إن “كندا” مصممة على مواجهة الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، بإجراءات قاسية في ظل انخراط الجانبين في نزاع تجاري.

وكانت الحكومة الكندية قد وقّعت عقدًا مع شركة (لوكهيد مارتن) الأميركية العملاقة للصناعات العسكرية في عام 2023؛ لشراء (88) طائرة من طراز (إف-35)، وتم بالفعل سداد ثمن أول (16) طائرة مقاتلة ومن المتوقع تسليمها مطلع العام المقبل.

وأكد المتحدث أن الاتفاقية لم يتم إلغاؤها؛ لكن: “يتعين علينا القيام بواجباتنا في ظل البيئة المتغيرة؛ والتأكد من أن العقد، في شكله الحالي، يصب في مصلحة الكنديين والقوات المسلحة الكندية”.

تراجع البرتغال..

كذلك؛ تعرضت مبيعات الأسلحة الأميركية لانتكاسة أخرى، في أعقاب قرار “البرتغال” استبعاد شراء الطائرات المقاتلة من طراز (إف-35) الأميركية.

وذكر تقرير لمجلة (نيوزويك)؛ أن مبيعات الأسلحة تأثرت – أيضًا – بتزايد شكوك دول أوروبية أخرى حول موثوقية “واشنطن” كشريك دفاعي، خاصة بعد تعليق الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، المساعدات العسكرية لـ”أوكرانيا”.

هذه التطورات تتزامن مع بيانات صادمة صادرة؛ عن معهد (ستوكهولم) الدولي لأبحاث السلام؛ (SIPRI)، تُظهر أن “أوروبا” كانت الوجهة الرئيسة لـ (35%) من صادرات الأسلحة الأميركية بين عامي (2020 و2024)، وأن صادرات “واشنطن” من الأسلحة زادت بنسبة: (21%) بين عامي (2015 و2019) وبين عامي (2020 و2024).

وفي مقابلة مع صحيفة (بوبليكو) البرتغالية؛ في 13 آذار/مارس، أعلن وزير الدفاع البرتغالي؛ “نونو ميلو”، أن بلاده لن تشتري مقاتلات (F-35) من “الولايات المتحدة” لاستبدال طائراتها القديمة من طراز (F-16)، وستبحث عن بدائل أوروبية بسبب السياسات غير المستقرة لـ”واشنطن”.

وأكد “ميلو” أن البيئة الجيوسياسية؛ يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند اتخاذ القرار، مضيفًا أن: “التوقّعات بشأن حلفائنا تُمثل أولوية رئيسة”.

شكوك بولندية..

ليس هذا فحسّب؛ بل إن “بولندا” تساءلت عن موثوقية “واشنطن” كشريك دفاعي، حيث أشار الصحافي البولندي؛ “ستيوارت دويل” إلى مخاوف بشأن أنظمة (هيمارس)؛ التي توفّرها “الولايات المتحدة”، مستشهدًا بقرار (البنتاغون) تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية مع “أوكرانيا”، مما أثر على عمليات تشغيل هذه الأنظمة.

وأشار إلى المخاوف من أن تقوم “أميركا” بتعطيلها عن بُعد؛ لكن نائب وزير الدفاع؛ “سزاري تومتشيك”، يقول إن عقود الأسلحة البولندية تحمي من ذلك. وتراجعت فاعلية قاذفات (هيمارس)؛ التي زودت “أميركا” بها “أوكرانيا” بعد قرار الرئيس؛ “ترمب”، بوقف تبادل المعلومات الاستخباراتية؛ الأسبوع الماضي.

قلق بريطاني..

وفي “المملكة المتحدة”؛ أبدت الحكومة قلقها بشأن مدى التزام “الولايات المتحدة” بدعم نظام (تريدنت) النووي البريطاني، وفقًا لما ذكرته صحيفة (الغارديان).

وقال وزير الخارجية البريطاني السابق؛ السير “مالكولم ريفكيند”، للصحيفة: “من الضروري حقًا أن تعمل بريطانيا وفرنسا معًا بشكلٍ أوثق، لأنه إذا كانت موثوقية أميركا موضع شك في أي وقت، فقد تكون أوروبا عاجزة في مواجهة روسيا. يجب أن تكون مساهمة أميركا الآن موضع شك إلى حدٍ ما، ليس اليوم أو غدًا، ولكن على مدى السنوات القليلة المقبلة وبالتأكيد طالما أن ترمب وأمثاله يسيَّطرون في واشنطن”.

اتفاق على الشراء الجماعي..

وفي ظل حالة عدم اليقين هذه؛ اقترحت “المفوضية الأوروبية” أن تتعاون دول “الاتحاد الأوروبي” في شراء الأسلحة بشكلٍ جماعي بدلًا من الاعتماد على “الولايات المتحدة”، وفقًا لصحيفة (فايننشال تايمز).

من جهته؛ أكد الضابط المتقاعد في الخدمة الخارجية الأميركية؛ “بوب هولي”، عبر منشور في (إكس)، أنّ: “الولايات المتحدة مورد غير موثوق للأسلحة”، محذّرًا من أن: “معداتها غير موثوق بها، في الحالات المهمة. وهناك بدائل جيدة متاحة في أوروبا. احموا أنفسكم”.

انخفاض أسهم (06) شركات أميركية وارتفاع الأوروبية..

وأشارت مقالة لمجلة (فورين بولي)؛ إلى أن الحكومات تحتاج إلى التفكير بعُمق في سياساتها لتجنب مواجهة: “قانون العواقب غير المقصودة”، وهو ما يتجلى في السياسة الدفاعية الصناعية بـ”الولايات المتحدة” تحت إدارة “ترمب”.

فقد أدى التراجع في تقديم الضمانات الأمنية الركيزة الأساسية؛ التي جعلت الدول تعتمد على شراء الأسلحة الأميركية إلى تقويض الثقة في قدرة “الولايات المتحدة” على حماية مصالحها الدفاعية.

هذا التراجع ظهر بوضوح في سلوك الأسواق المالية؛ إذ شهدت أسهم أكبر ست شركات دفاعية أميركية انخفاضًا متوسطًا بنسبة: (4%) منذ تولي “ترمب” السلطة.

في المقابل؛ ارتفعت أسهم الدفاع الأوروبية بسرعة، إذ سجلت بعض الشركات مثل شركة (راينميتال) الألمانية؛ ارتفاعًا يصل إلى: (40%)، مما يعكس توقع المستثمرين أن الحكومات الأوروبية ستضاعف نفقاتها الدفاعية لتعويض غياب الدعم الأميركي كما هو الحال في التجربة الأخيرة للرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”.

تصاعد المنافسة وتغيَّر الموازين..

أدت سياسات “ترمب” إلى إعادة ترتيب موازين القوى في سوق صناعة الدفاع العالمي؛ فبينما تتراجع الثقة في الضمانات الأمنية الأميركية، تسَّارع الدول الأوروبية في تعزيز قدراتها الدفاعية.

ففي ظل تخفيض إدارة “ترمب” لميزانية الدفاع، سواءً من خلال سياسات خفض التكاليف الإدارية أو محاولات تقليل النفقات الحكومية – كما تُشير بعض التقارير إلى تدخلات وزارة “كفاءة الحكومة”؛ التي أسسها “إيلون ماسك” – بدأت الحكومات الأوروبية تُعيد النظر في اعتمادها على الأسلحة الأميركية.

فعلى سبيل المثال؛ أعلنت “بريطانيا” عن نيتها زيادة ميزانيتها العسكرية إلى: (2.5%) من الناتج المحلي الإجمالي؛ بحلول عام 2027، فيما من المتوقع أن تصل “بولندا” إلى: (5%) هذا العام.

إنشاء “تحالف الراغبين”..

وفي قمة دفاعية عقدت في “لندن”؛ اتفق القادة الأوروبيون على تقديم دعم عسكري أكبر لـ”أوكرانيا” وإنشاء: “تحالف الراغبين” للمساعدة في الدفاع ضد “روسيا”.

كما أشار “روبرت ليميرغارد”؛ الأمين العام لاتحاد الصناعات الأمنية والدفاعية السويدية، إلى أن القدرة على تكييف الأسلحة مع أنواع جديدة من الحروب ستكون عاملًا حاسمًا لتحديد من سيسّتفيد من هذه التحولات، وهو ما يستدعي الاستفادة من الخبرات المكتسبة من الصراع بين “روسيا” و”أوكرانيا”.

وفي ظل هذه التغيّرات؛ انخفض سعر سهم شركة (لوكهيد مارتن) – من عملاق صناعة الدفاع الأميركي من نحو: (500) دولار إلى أقل بقليل من: (450) دولارًا؛ منذ أواخر كانون ثان/يناير، مما يؤكد تحوّل ثقة السوق لصالح المنافسين الأوروبيين.

إن التحول في السياسة الدفاعية تحت إدارة “ترمب”؛ والذي تضمن تقليص الضمانات الأمنية الأميركية وخفض نفقات الدفاع، قد أثر سلبًا على صناعة الدفاع الأميركية.

وفي الوقت الذي تستعد فيه الدول الأوروبية لتعزيز قدراتها العسكرية وتعديل استراتيجياتها الدفاعية؛ يبدو أن الموازين العالمية لصناعة الدفاع تشهد تحولًا قد يحمل تبعات جيوسياسية وعسكرية كبيرة في المستقبل.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة