خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
مؤخرًا أعلن الرئيس الأميركية؛ “دونالد ترمب”، الحرب النفسية على “الجمهورية الإيرانية”، بادعاء توجيه رسالة للمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، تنطوي على تهديدات تتعلق بتداعيات رفض التفاوض. بحسب ما استهل تقرير أعدته ونشرته وكالة أنباء (تسنيم) الإيرانية.
وكان قد سعى قبل أيام إلى ترسيخ ثنائية: “الخيار العسكري-المفاوضات” في ذهنية الرأي العام الإيراني، بأسلوب غير مباشر ومبَّطن؛ بحيث يضع القدرة الدفاعية للدولة في مواجهة الحياة التقليدية والعادية للشعب الإيراني.
لكنه كشف مرتين على الأقل، خلال الأيام الأخيرة، عن شيء ما يتعلق بالعقلية الأميركية؛ فيما يتصل بالمفاوضات، وهو ما حاول غيره من رؤساء “الولايات المتحدة” إخفاءه بكل قوة.
فقال في حوار إلى (فاكس بيزنس)؛ قبيل مؤتمره الصحافي: “ما نسّعى إليه في المفاوضات مع إيران، هو الحصول على شيء لا يتحقق بالانتصار العسكري”. وهذا التصريح في الواقع هو اعتراف بحقيقة أن الأميركيين لا ينظرون إلى المفاوضات بشكلٍ منفصل عن الضغط أو المواجهة العسكرية؛ لقد كانت سياسة “الولايات المتحدة” في المفاوضات دائمًا تسعى من خلال الحوار إلى تحقيق نفس الأهداف التي تسعى إليها في المواجهة العسكرية، وهذا النهج لا يقتصر على؛ “دونالد ترمب”، فقط.
ماذا تريد الولايات المتحدة من المفاوضات ؟
في علم النفس السياسي؛ تنقسّم المباحثات إلى قسمين، الأول: المباحثات القائمة على حسَّن النية، والثاني: المباحثات القائمة على سوء النية.
اقترح “أوله هالستي”؛ عالم في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في جامعة (ديوك)، نموذج المفاوضات سيئة النية بشكل خاص لتوضيح الآليات المدرجة في الحوارات بين الجهات الفاعلة المعادية؛ (وليس الأطراف ذات المصالح المتوافقة).
ووفقًا لذلك النموذج؛ قد يتظاهر طرف واحد أو عدة أطراف، في المفاوضات سيئة النية، بالرغبة في إلى تسوية وفهم مشترك حول قضية ما، لكن الأمر ليس كذلك، وإنما تتعارض نواياهم مع المعلن.
وقدم “هالستي” هذا النموذج، للتعرف على طريقة تفكير؛ “جون فوستر دالاس”، وزير الخارجية الأميركي في إدارة “دوايت أيزنهاور”، تجاه “الاتحاد السوفياتي”، ومنذ ذلك الحين، تم استخدام نموذجه مرارًا وتكرارًا لتفسّير المفاوضات بين الأطراف المعادية.
تقسيّم وتدمير النظام الفكري للطرف المقابل..
في مجال العلاقات الدولية، ربما لا يمكن العثور على دولة تعتمد ثقافتها التفاوضية على سوء النية مثل “الولايات المتحدة”؛ إذا يستخدم الأميركيون دائمًا يستخدمون الدبلوماسية ليس بغرض تسوية الخصومات أو تخفيف الضغوط، ولكن كأداة لتعزيز الضغوط وإجبار الدول على الاستسلام.
وتقديم عرض المفاوضات من منظور الأميركيين؛ (كما يعترفون هم أنفسهم علانية).
بالتوازي مع ممارسة الضغوط، هو بمثابة استراتيجية تخلق من ناحية انقسامًا داخليًا للطرف المقابل، وتضعه من جهة أخرى تحت ضغط إضافي من الرأي العام.
والتفاوض، بالنسبة للعديد من أعضاء المؤسسة الأميركية الحاكمة، مع دولة أو طرف غير متوافق، يجب أن يؤدي إما إلى تفكك كامل للنظام الفكري للطرف المقابل ومواءمته التامة مع مصالح “الولايات المتحدة”، أو أن يكون بمثابة اعتراف بالطرف المعادي؛ وبالتالي يكون باطلًا تمامًا.
تجربة “خطة العمل المشتركة”..
يمكن تتبع هذه النظرة في نوعية الجدال السياسية بين الحزبين الحاكمين في “الولايات المتحدة”؛ فيما يتعلق “خطة العمل المشتركة”، فقد انتقد “ترمب”، خلال فترته الرئاسية الأولى “الاتفاق النووي” الإيراني، وتساءل: لماذا تم التوصل إلى اتفاق مع “إيران” على وثيقة لا تتضمن خططًا لتقيّيد جميع عناصر قوة “الجمهورية الإيرانية”، بما في ذلك البرنامج الصاروخي، والقوة الإقليمية، والتفسّيرات غير الغربية لحقوق الإنسان، وبشكل عام: “الجمهورية الإسلامية بما هي جمهورية إسلامية” ؟ ما معنى اتفاق لا يزال يمنح “الجمهورية الإيرانية” القوة الفكرية لإلهام معارضي “أميركا”، سوى إضفاء الشرعية على هذا الفكر ؟
لذلك؛ عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع “الولايات المتحدة”، يجب دائمًا أن نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت تسعى بالفعل للتوصل إلى اتفاق مع “إيران” بشأن قضية محددة وقابلة للتفاوض؛ (مثل الخلافات الإدراكية حول القضية النووية)، أم أنها تسعى إلى تحقيق أهدافها في قضايا غير قابلة للتفاوض تحت ذريعة التوصل إلى اتفاق بشأن قضية قابلة للتفاوض.
تُشير السوابق السلوكية لـ”الولايات المتحدة” في العالم، إلى أنها تلعب دائمًا دور الجهة ذات النوايا السيئة، ولا تسعى أبدًا للتوصل إلى اتفاق بشأن قضية محددة والوفاء بالتزاماتها.
الاستسلام هو المطلب الذي يتجاوز الأحزاب بالنسبة للنخبة الحاكمة في “الولايات المتحدة”؛ في أي موضوع تفاوض، وطالما لم يتم التخلي عن هذه الرؤية، فإن التفاوض مع أي من حكومات هذا البلد لن يؤدي فقط إلى عدم تحقيق أي فائدة، بل سيكون خسارة محضة.