شياطين الفتنة الطائفية

شياطين الفتنة الطائفية

لو أعطيت نسخة من القرآن الكريم إلى أي كاتب أو سيناريست عربي وطلبت منه أن يعمل لك مسلسل عن الشيطان الرجيم ، لخرج إليك بمسلسل يحكي عن هذا الشيطان وكأنه ملاك من ملائكة الرحمة والعباد الصالحين !. هذا دأب معظم المسلسلات العربية التي تتحدث عن سيرة الشخصيات الاسلامية أو السياسية العربية باستثناء بعض المسلسلات السورية . فقد اعتاد كتاب تلك المسلسلات على تعظيم شأن حتى أحقر الشخصيات الاسلامية أو المجرمة والكثير منها شخصيات مثيرة للجدل ومكروهة في التاريخ .

أقول يقينا بأن مسلسل ( معاوية ) يدخل في هذا الاطار الشيطاني والذي يثير الفتنة عن سابق تصميم وترصد . فالمائة مليون دولار المخصصة لهذا المسلسل الفاشل صرفت على هذا المسلسل لمجرد إغاظة الشيعة وتصوير معاوية وكأنه أحد بناة الدولة الاسلامية وركن من أركانها ! . وبالطبع لم يقصر الشيعة في الرد على هذا المسلسل بعمل درامي آخر يمجد أبو لؤلؤة المجوسي نكاية بالسنة . إذن أصبحنا اليوم في معترك حرب المسلسلات الدينية والتاريخية بغض النظر عن آثارها المدمرة على الاسلام ذاته ، وأظن بأن هذه المعارك سوف تدوم إلى ما شاء الله .

دعونا نتحدث عن الحلقات العشر الأولى من هذا المسلسل الذي يبرز من بدايته دور معاوية بن أبي سفيان طاغيا على الدور الهامشي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب والذي ظهر في المسلسل بشعر خفيف ولحية مشذبة وكان لا يفارق مجلسي عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان اللذان كانا يستشيرانه في كل شيء . أما أبو سفيان الذي كان من ألد أعداء الاسلام فقد وجدناه في المسلسل مجاهدا في سبيل الله وساعيا لإعلاء كلمة الحق والعدل .

وفي أكثر من موضع أظهر المسلسل معاوية كواحد من أكثر الناس حرصا على دماء المسلمين وأنه ( يناضل ) من أجل صد الفتنة بين المسلمين وأنه لن يستل سيفه لقتل أخيه المسلم مع أن التاريخ يؤكد لنا بأن أكثر من خمسة وأربعون ألفا من المسلمين قتلوا في معركة (صفين ) والتي اندلعت أصلا لتثبيت سلطان معاوية !.

أما قصر معاوية فلم يكن يختلف ولو بذرة واحدة عن قصور قياصرة الروم من حيث الحراسة ومشاهد المسابح والحمامات والحدائق الغناء ، بل وفي منظر الفتيات نصف العاريات والسافرات ، وحتى أم معاوية ( رضي الله عنها ! ) شوهدت وهي بثياب السهرة متمددة على فراش وثير ، ناهيك عن الجارية الجميلة التي كانت تروي لمعاوية مثل ( شهرزاد ) قصص ألف ليلة وليلة !. وكان لمعاوية مكتبة عامرة بالكتب وفيها نسخة من القرآن الكريم المطبوع في السعودية مركونا في جهة منها . صحيح أن معاوية كان يعيش في زمنه أميرا على الشام مثل حياة الأباطرة ، ولكن كاتب المسلسل تغافل عن حقيقة أن ذلك الزمن القريب من فترة النبوة وعصر الخلفاء الراشدين كانت هناك بعض القيم الدينية تحكم المجتمع بمن فيهم الولاة والأمراء ، وأن هذه القيم لم تكن تسمح أن يعيش الولاة والخلفاء مثلما كان يعيش أباطرة الروم والفرس .

نحن مازلنا في الحلقات الأولى من هذا المسلسل وبالتأكيد سوف نرى  عجائب أخرى لاحقا ، وكما قلت سابقا لا يهم تفاصيل ما يروى أو يزيف من التاريخ ، المهم أن المسلسل سوف يغيظ الشيعة ويثير غضبهم إلى حد أن يسلكوا نفس الطريق لتعميق الخلافات بين المذاهب الاسلامية .

دعونا ننتظر لنرى ما يريد أن يقوله هذا المسلسل ومن ورائه من الباذخين عليه !!!!