اليكم ما سيحصل لاحقاً.
البداية ستكون هناك جولة من الصراع على (سانت ليغو) ومشتقاته، ثم تبدأ سلسلة صراعات حول مفوضية الانتخابات، وقانون الانتخابات، ثم صراع حول آلية الانتخابات وطريقة فرز الأصوات وأجهزة العد والفرز، ثم الصراع على التحالفات، ثم يظهر فجأة 200 حزب جديد، ويغرق المشهد بالمناضلين والزعماء والمجاهدين والناشطين، ويبدأ صراع على الفضائيات وفيسبوك وتويتر، وضربات تحت الحزام تتبادلها جميع الأطراف، وثائق تنشر حول الفساد، تسجيلات صوتية، مقاطع ساخرة، مقاطع قديمة تُستدعى من ذاكرة يوتيوب لتوضع في سياق جديد، تلميحات، تهديدات. ثم ينتعش سوق (الخبراء الاستراتيجيين) وشركات الإعلانات والمطابع وتجار البدلات الرجالية الرخيصة. يظهر بعدها يظهر عزت الشابندر وبهاء الاعرجي للحديث عن تحالفات (طولية) و(عرضية) و(افقية) و(عمودية)، ويزدهر سوق سعد البزاز ويزداد رصيده، فيما تغلق ثلاث قنوات شيعية أبوابها لتفتح محلها خمسة أخرى بأسماء مختلفة لا نعرف عنها شيئاً سوى خبر اغلاقها. ثم ينتعش سوق المهاويل وتكثر مهرجانات الشعر الشعبي وبطولات الخماسي، ويزدهر سوق مطربي الملاهي المستعدين لتقديم اغان حماسية لسياسيين قرويين فارغين يعتقدون ان التشبه بصدام قد يجعل أبناء قراهم ينتخبونهم، كما يزدهر سوق بعض الشعراء والممثلين الذين يتلقون دعوات للقاء بعض السياسيين الراغبين بالظهور بمظهر المهتمين بالفنون والثقافة أيام الانتخابات. هذا النوع يختلف طبعاً عن النوع التقليدي المهتم بتوزيع مسحوق الغسيل والبطانيات وكارتات الموبايل.
والجميع طبعاً سينشر صوراً باذخة يلتقطونها مع رجال مجهولين يرتدون ملابس عربية يزعم كل منهم انه شيخ فخذ! رغم ان حجم افخاذ بعضهم لا تتجاوز فخذ الدجاج المشوي الذي يوزعه بعض انصاف السياسيين في (صحن سفري) من الفلين على الفقراء مصحوباً بصورته ورقم قائمته الانتخابية.
ثم تنهمر علينا مقاطع مجتزأة ومركبة بالمونتاج او بالذكاء الاصطناعي، والمزيد من الدعاوى القضائية، والمزيد من الصور الملتقطة مع كبار السياسيين، ومع الشهداء الراحلين، ومع الفقراء والارامل والأطفال. وسنشاهد موسماً جديداً من البشير شو، وسيزداد ولع احمد الملا طلال بحساب المقاعد التي سيحصل عليها كل طرف، وسينشر كارهو تيار الحكمة صور فاشنستات ويقولون انهن مرشحات الحكمة، وستظهر المزيد من أناشيد التيار الحماسية، والمزيد من التشرينيين الغاضبين، والمزيد من تصريحات المالكي المقلقة، والمزيد من تغريدات السيد، وسينشر حيدر الملا صوراً عملاقة في ساحات حي المنصور، ولا يفوز كالعادة. وسيظهر اللون البرتقالي الحلبوسي بكثرة، وسيظهر المزيد من ممثلي الفصائل وهم يحاولون استخدام تعابير سياسية لا يتقنونها، وسيظهر المزيد من هواة التحليل السياسي، والمزيد من مندوبي المبيعات الحزبية، ودلَالي الانتخابات، والمزيد من الأشرطة الحمراء التي يقصها رئيس الحكومة!
وقد يخرج علاوي وأسامة النجيفي وهمام حمودي وحاجم الحسني من الحديقة الجوراسية ليلقوا التحية علينا، وقد تكون هناك فرصة لظهور سياسيين نسيناهم مثل كاك مسعود وعادل عبد المهدي والكاظمي وعتاب الدوري، وقد يظهر حسن السنيد شخصياً!
الخطوة التالية هي الحديث عن تزوير الانتخابات، ودقة نتائجها، فيتم اللجوء للمحكمة الاتحادية التي ستأخذ راحتها وتستغرق الكثير من الوقت الذي يحتاج اليه مهندسو الحوارات والصفقات الداخلية والخارجية من اجل الخروج بنتيجة مُرضية للجميع. قد تخرج تظاهرات من هذا الطرف او ذاك ضد نتائج الانتخابات، وبعد ضغوط وتدخلات سيذعن الجميع، ثم يبدأ مجموعة من المرشحين المحتملين لرئاسة الوزراء بالإعلان عن أنفسهم والترويج لأسمائهم، وتمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بالتسريبات، وتنشط كروبات الواتس اب، ويزدحم جدول اعمال السفارة الأمريكية والبريطانية والايرانية، وتدخل الأمور الى نفق يمتد لستة أشهر من الجدل والتكهنات والشائعات والاجتماعات. ثم يبدأ مخاض عسير لجمع أطراف (الائتلاف الشيعي) التي تكره بعضها. ابتسامات وقبلات متبادلة، مواقف لا تتناسب مع حرارة الابتسامات، مع همس سياسي عن زيارة لمسؤول إيراني يأتي للوساطة بين الاخوة الأعداء. سياسيو المكون السني يستغرقون وقتاً في التوصل الى قرار، ويدخلون في حوارات تتداخل فيها السياسة بالمال والصفقات. المشهداني يضيف بعض الكوميديا الى المشهد المتشنج ينافسه أنور الحمداني ومشعان، ثم يظهر صالح المطلك بعد ان نسيه الجميع. اجتماعات في عمان، انقرة، الدوحة. ينتعش سوق السماسرة، واجنحة حزب البعث المتصارعة سراً تلعب دور جماعات الضغط. الكرد يستدعون المادة 140 والحصة في الموازنة كشروط للتفاوض على شروط أي تحالف ويضيفون شروطاً لا يكشف عنها الا بعد سنتين حينما تحصل ازمة مع رئيس الوزراء الجديد. ثم يبدأ موسم الحجيج الى أربيل، مشعان يكشف في النهاية عن أسعار مزاد الوزارات المنعقد في عمان.
تنتهي هذه القصة بنشيد (موطني) الذي يعزف في قاعة البرلمان بعد التصويت على الحكومة الجديدة بعد ان يتم ضبط صواميل المعادلة المربوطة بواشنطن وطهران وانقرة وعمان والرياض والدوحة ودمشق.
هذا يا سادتي مجرد مسح سريع لما سيجري خلال سنة او سنة ونصف من الآن، انها صورة بالسونار الممل لما يسمى بالعملية السياسية.
اعتقد ان نصف قراء هذا المقال سيتركونه منذ جزئه الأول لأنهم يعرفون هذه التفاصيل بعد ان حفظوها لكثرة ما تكررت عليهم. وسيفوت أولئك القراء متعة القراءة التي ستمنحها خاتمة المقال
فالسؤال الأهم من كل ما تقدم هو: هل نمتلك رفاهية الانشغال لسنة كاملة تقريباُ في الانتخابات وجدلها
في ظل الظروف السوداء التي نعيشها، وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية المحيطة بنا (الشرق الأوسط الجديد، ضغوط ترامب، تهديدات إسرائيل، التحولات في سوق النقل والنفط والطاقة، احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران قد ندفع جزءا من ثمنها، العقوبات الاقتصادية المحتملة على العراق، سيناريوهات سوريا المفتوحة على كل الاحتمالات، ……. الخ).
يا سادتي، الدول بدأت تتفتت من حولنا وتفتك بها الصراعات التي تحركها القوى الدولية والحروب العرقية والطائفية والمجاعات والجشع الدولي، فهل سنتوقف قليلا لنتأمل السيناريو الليبي، او سيناريو السودان، او سيناريو اليمن، او السيناريو السوري، او حتى سيناريو غزة ولبنان. ام ننشغل بالانتخابات ونستنزف قوتنا ووحدتنا الوطنية فيها؟
الواقع الإقليمي يقول اننا نسير في حقل الغام وأي خطأ في الحسابات سيودي بنا الى الهاوية.
فهل من المناسب الانغماس في غيبوبة الانتخابات وسجالاتها التي لا تنتهي ونحن نعيش كل هذه التحديات؟
بكل مسؤولية أرى ان علينا ان نذهب باتجاه الحل الصعب: تأجيل الانتخابات!
نعم. نحن نحتاج لتأجيل الانتخابات لسنة واحدة على الأقل لتتضح معالم المشهد الإقليمي والدولي كي لا نفقد تركيزنا على دفع التحديات عن بلادنا. فالأهم هو تجنيب بلدنا الاخطار المحدقة به.
فلن تكون قوياً بمواجهة الخارج الا وانت قوي من الداخل. والانتخابات العراقية – كما تعوّدنا- هي بيئة لضخ المزيد من الكراهية بين العراقيين الذين نحتاج لكل واحد منهم في هذه المرحلة العصيبة التي تنهار فيها الدول وتتحول الى شظايا.