في عام 2006 سرت أشاعة بين العراقيين بأن أحد المسؤولين الكبار في الأدارة الأمريكية هو من قال هذه العبارة ( ثلث يموت وثلث يرحل وثلث يبقى) ، وفي الحقيقة لا ندري مدى صحة هذه الأشاعة وهل فعلا أن أحد المسؤولين الكبار قالها ولماذا؟ ، ولكن الواضح أن العبارة مقصود بها العراقيين!، ولربما قيلت لهم كنوع من التخويف والتهديد ، ولا يستبعد من المحتل أو غيره من أعداء الداخل العراقي ، بث هكذا أشاعات يقصد منها ما يقصد! . ولكن المتأمل للعبارة يرى ، وكأنها خارطة طريق رسمت لحياة العراقيين أن تكون بهذه الصورة المخيفة من بعد الأحتلال! ، والغريب في العبارة أنها ، تعبير حقيقي عما جرى ويجري على العراقيين منذ 2003 ولحد الآن! . فلو تأملنا الجزء الأول من العبارة ( ثلث يموت) فستجد ، أن حصاد الموت بالعراق لم ولن يتوقف فعلا! منذ الأحتلال وقبله ولحد الآن ، وقد تعددت أسبابه الكثيرة والعديدة والغريبة! ، ولو أعلمتنا وزارة التخطيط أو الجهة المختصة والمعنية عن أحصائية دقيقة بأعداد العراقيين الذين ماتوا من بعد الأحتلال (وبمختلف الظروف والأسباب ، موت طبيعي ، حرب أهلية أغتيالات ، امراض ، أنتحار ، حوادث دهس وغرق وغيرها) لأصابتنا الصدمة والرعب بسبب الرقم الكبير المهول الذي سيظهر!! ، فلا يمر يوم والعراق ليس فيه موت! ، أو فاجعة هنا أو هناك ، في هذه المحافظة أو تلك!، فالموت بالعراق صار بالمجان! ، ولذا لا عجب فيه ولا أية مفاجأة! ، فالمواطن بالعراق ممكن أن يموت لأتفه الأسباب! ، وذلك بسبب أنفلات السلاح وضعف القانون وغياب هيبة الدولة والقضاء وأستهتار الكثير من العراقيين وأستقوائهم بعشائرهم أو بأنتمائاتهم الحزبية ، أو لكونه أبن عم فلان ، وأقارب فلان ، أو يعرف سيد فلان وحجي فلان ، أو لكونه يعمل بحماية أحد المسؤولين في الدولة ، أو أنه صديق وعشيق الفاشنست الفلانية (اللي تحكم بلد بحالها كما يقول الأخوة المصريين!) ، فكل هؤلاء يمثلون له حصانة من المسائلة القانونية عن أية مخالفة يرتكبها ومن أية عقوبة يستحقها ، والعراقيين كلهم يعرفون هذه الحقيقة المؤلمة! وما حادثة ( مقتل الصحفي / ليث محمد رضا ، يوم الأربعاء الموافق 12/3/2025 على يد أحد حمايات مستشار محمد الحلبوسي بسبب مباشرة بسيطة) خير مثال على ذلك ، وكم وكم من حوادث قتل تقع في العراق كل يوم وبكل أنواع الأسلحة! . الى هنا أنتهينا الى توضيح الثلث الأول من العبارة ( ثلث يموت) وقد تتفقون معي بأنه ثلث واقعي وصحيح وليست فيه أية مبالغة وأسبابه في الأول والآخر هي الدولة وأجهزتها التي تقف عاجزة عن فعل أي شيء يحمي المواطن ويشعره بالأمن والأمان والحياة الكريمة الهادئة! . نأتي الى الثلث الثاني من العبارة (ثلث يرحل) ، فبعد سقوط النظام السابق ، كان التوقع السائد هو عودة الكثير من العراقيين من الخارج الذي تركوا العراق أبان فترة النظام السابق ، وخاصة من الكفاءات العلمية التي تزدحم بهم جامعات العالم من أطباء ومهندسين وأساتذة كبار في مختلف التخصصات العلمية والطبية والأنسانية ، ولكن المفاجأة أنقلبت وعلى العكس تماما ، بعد مقتل وأغتيال المئات من الكفاءات العلمية من مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات ، أثناء فترة الغزو ، فأزدادت الهجرة من الوطن أضعاف مضاعفة وأكثر بكثير من قبل سقوط النظام السابق ومجيء الأمريكان! وخاصة الكفاءات والنخب العلمية ناهيك عن الناس العاديين! ، ولو زودتنا الوزارات والدوائر ذات العلاقة عن أعداد العراقيين الذين تركوا الوطن وهجروه بعد الأحتلال ، لكانت صدمتنا كبيرة ومروعة! ، فالملايين من العراقيين بعد الأحتلال تركوا الوطن وهجروه ونفذوا بجلودهم ، لأسباب كثيرة منها الطائفية والدينية أو للبحث عن لقمة العيش ، حيث أزمة البطالة القاتلة والمدمرة والمزمنة ، أو لأية أسباب أخرى كثيرة ، فالحياة بالعراق لا تطاق من كل النواحي ، والمواطن العادي يعاني الأمرين من العيش فيها مجبرا! ، ويكفي أن العراقي يشعر بالغربة وهو داخل وطنه! فأي وطن هذا وأية حياة هذه ، ولماذا لا يترك الوطن!؟ رغم قساوة وصعوبة الغربة ، فأن بعض الشر أهون كما يقال! ، وأعتقد وقد تتفقون معي أن الثلث الثاني هو الآخر واقعي وصحيح ومستمر لحد الآن! ، فغالبية العراقيين يبحثون عن الهجرة وترك العراق بكل السبل!!؟ . بقي لدينا من العبارة ثلثها الأخير (ثلث يبقى) ، وهذا الثلث هو الطبقة السياسية الحاكمة من بعد 2003 وقادة الأحزاب السياسية وطبقة رجال الدين ، والزعامات العشائرية فهؤلاء هم من يبقون بالعراق ويتنعمون بخيراته ويعيشون ترف الحياة ونعيمها! ، أما من يتبقى من المواطنين البائسين المغلوبين على أمرهم والذين يعيشون على فتات موائد هذه الطبقة! ، فهم ينتظرون دورهم أما بالموت وبأسبابه الكثيرة والمتنوعة أو بأنتظار أية فرصة وبأية وسيلة لترك الوطن!. ويبدو أن عبارة ( ثلث يموت وثلث يرحل وثلث يبقى) التي أشيعت لا يقصد بها الأرقام تحديدا! بقدر ما يقصد بها أنها صورة وخارطة الطريق لحياة العراقيين وعيشهم في ظل حكومات ما بعد الأحتلال ، ويبدو أن هذه المعادلة ستكون سارية المفعول الى أجل بعيد ، ولله الأمر من قبل ومن بعد!.