خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
تزداد أهمية “المملكة العربية السعودية”؛ والإمارات”، وسائر اقتصاديات الخليج نتيجة التغييّرات في الديناميكية الجيوسياسية والسوق، وقد تُمثل الأشهر والسنوات المقبلة أفصل فرصة للمنطقة لبناء نموذج تنموي محكم في مرحلة ما بعد النفط. بحسب تحليل “فارس السلیمان”؛ و”استيفن هرتوغ”، الذي نشرته منظمة (بروجيكت سنديكيت) الصحافية؛ وأعادت صحيفة (عالم الصناعة) الإيرانية نشره.
سؤال يبحث عن إجابة..
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، وقّع “صندوق الاستثمارات العامة السعودي”؛ (PIF)، عددًا من الاتفاقيات مع الشركات متعدَّدة الجنسيات لبناء منشآت إنتاجية جديدة في المملكة، علمًا أن الجهود السابقة في هذا النوع من السياسات الصناعية لم تُكلل بالنجاح إلى حدٍ كبير، وذلك رُغم الثروة النفطية الكافية لجذب الأطراف الفاعلة العالية. والسؤال: هل تختلف الأوضاع هذه المرة ؟
في الواقع ثمة مؤشرات ربما تجعل الأوضاع مختلفة هذه المرة، وهذا مرتبط بعوامل متعددة على شاكلة تحسين إمكانيات وقدرات الحكومة، والبنية التحتية، وخفض تكاليف الطاقة المتجددة.
ولعل الأهم هو قدرات ممالك الخليج المتزايدة على فهم واستغلال آفاق الجيواقتصادية المتغيرة حتى تجد مكانة في سلاسل القيمة العالمية.
كتل منافسة جديدة..
تلك السلسلة التي أصبحت أكثر تنافسية مع ظهور كتل منافسة جديدة. وليست الشركات الصينية وحدها هي التي تمكنت من مضاعفة تعاملاتها مع هذه المنطقة. ففي “الإمارات العربية المتحدة”، وقّعت شركة (مايكروسوفت) مؤخرًا اتفاقيًا بقيمة: (1.5) مليار دولار للاستثمار في شركات التكنولوجيا الحكومية (G 42)، كذلك تُشكل شركة بناء السفن الإيطالية؛ (Fincantieri)، استثمارًا مشتركًا مع المجموعة التكنولوجية والدفاعية الإماراتية؛ (EDGE Group)، لتصدير السفن العسكرية إلى شركاء خارج حلف الـ (ناتو).
هذه التطورات تحدث في سيّاق تحول دول المنطقة إلى رواد أعمال نشطين، وهي ظاهرة ملحوظة بشكل خاص في “السعودية والإمارات”؛ حيث تسعى إلى التصنيع والحداثة من خلال نموذج خاص للرأسمالية الحكومية.
وقد أسست صناديق الثروة الوطنية في هذه الدول عشرات الشركات في مختلف المجالات، وأضحت حاليًا شريكًا مفضلًا للنشطاء الصناعيين الأجانب الذين يسعون للتواجد في منطقة الخليج. ورغم الموارد والإمكانيات الكبيرة التي وفرتها الحكومة، من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان هناك انضباط كافٍ في السوق لبلورة استراتيجية صناعية مستدامة قائمة على التصدير أم لا ؟
وبالتوازي مع انتشار هذا النموذج الاستثماري الحكومي، تتبدل الآفاق الجيوسياسية، وربما توفر فرصًا جديدة. ذلك أن التعددية العالمية وظهور كتل بديلة مثل تجمع (بريكس) ساهم في ازدياد قدرة القوى المتوسطة كـ”السعودية والإمارات” على المساوة، وأصبح بإمكانها النفوذ إلى سلاسل القيمة العالمية التي لم تكن متاحة قبلًا.
تغييرات في الوضعية الاقتصادية الإقليمية..
هذه التغيرات في النظام الدولي، المصحوبة باستراتيجية صناعية أقوى لجذب الشركات متعددة الجنسيات، فرضت تغييرات سريعة في الوضعية الاقتصادية الإقليمية.
على سبيل المثال، كانت شركة (تويوتا) قد رفضت؛ في العام 2019م، وبعد مباحثات مطولة، الاستثمار في مصنع إنتاج بـ”السعودية” بسبب التكلفة العالية للقوى العاملة، وحجم السوق المحلي الصغير، وانعدام سلسلة التأمين المحلية، لكن تحول الساحل الغربي السعودي حاليًا إلى مركز ناشيء لإنتاج السيارات الكهربائية، مع تزايد أهمية الطاقة الخضراء منخفضة التكلفة، والذاتية، وانخفاض تكاليف رأس المال، والفجوات الجيواقتصادية.
وتستهدف شركات مثل (فاكسكان، وهيونداي، ولوسيد)؛ ضخ استثمارات في منشآت إنتاجية في أسواق الخليج، و”إفريقيا، وأوروبا”.
وعلى نحو مشابه، بدأت شركة (لينوفو) بالفعل في إنشاء مصنع إنتاجي بـ”المملكة العربية السعودية”، بينما استثمرت (مايكروسوفت) في “الإمارات”. والآن وبعد البداية البطيئة، تتطور الطاقة المتجددة بسرعة كبيرة في جميع أنحاء المنطقة، وهذا الاتجاه يساعد دول الخليج العربي على توطين أجزاء رئيسة من سلاسل القيمة محليًا.
ويتعاون حاليًا، اثنان من أكبر منتجي الألواح الشمسية في العالم، هما: (JinkoSolar) و(LONGi) الصينيان، مع “صندوق الاستثمارات العامة السعودي”؛ (PIF)، لإقامة خطوط تجميع في المملكة.
بالإضافة إلى ذلك، يدعم انتشار الطاقة المتجددة الرخيصة استراتيجية “الهيدروجين الأخضر”؛ التي تُركز على التصدير.
ومن المتوقع أن يتم افتتاح أكبر منشأة لإنتاج “الهيدروجين الأخضر” في العالم في شمال غرب “السعودية” بحلول عام 2026م، بينما تمتلك “الإمارات وعُمان” خططًا لمشاريع مماثلة. ومع اشتداد المنافسة العالمية في مجال “الذكاء الاصطناعي”، تزداد أهمية الطاقة الخضراء الرخيصة، ورأس المال، والأراض.
وعليه قد تمثل الأشهر والسنوات المقبلة؛ أفضل فرصة تاريخية للمنطقة لتطوير نموذج نمو في مرحلة ما بعد النفط.