اطلعت على قرار للهيئة المدنية الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية الموقرة العدد 134/135/الهيئة المدنية الموسعة/2023 في 17/4/2023، ارسله احد الأساتذة المحامين الافاضل من المهتمين بنشر الثقافة القانونية وله اسهامات بهذا الصدد، وبعين باصرة ولماحة التقط عبارة وردت في القرار أعلاه، حيث جاء فيها(ان دعوى تصحيح الخارطة خاضعة لرسم مقطوع استناداً لصراحة نص المادة (۱۹ / أولاً/ي) من قانون الرسوم العدلية رقم ١١٤ لسنة ۱۹۸۱ ويكون الحكم الصادر من محكمة البداءة بدعوى طلب تصحيح الخارطة يصدر بدرجة اخيرة قابلاً للتمييز فقط ولا يقبل الطعن به طريق الاستئناف وذلك استناداً لصراحة نص المادة (32/1) من قانون المرافعات المدنية) ،
ونقطة الحوار العلمي الذي جرى بيني وبينه كان محوره ان دعاوى الرسم المقطوع هي من الدعاوى التي تنظرها محكمة البداءة بدرجة أولى وليس بدرجة أخيرة، على خلاف ما ورد في القرار التمييزي، لذلك لابد من ان تكون خاضعة لكافة طرق الطعن بما فيها الاستئناف،
وعند التمعن في القرار التمييزي فانه استند الى نص المادة (32/1) مرافعات التي جاء فيها (تختص محكمة البداءة بالنظر فيما يأتي: ١– الدعاوى كافة التي تزيد قيمتها على مليون دينار، والدعاوى التابعة لرسم مقطوع، و الدعاوى غير المقدرة القيمة و الدعاوى كافة التي لا تختص بها محكمة البداءة بدرجة أخيرة أو محكمة الأحوال الشخصية و يكون حكمها بدرجة أولى قابلا للاستئناف بموجب أحكام المادة (١٨٥) من هذا القانون وفيما عدا ذلك يكون بدرجة أخيرة قابلا للتمييز مع مراعاة أحكام القوانين الأخرى، ٢– دعاوى الإفلاس و ما ينشا عن التفليسة وفق الأحكام المقررة في قانون التجارة، ٣– دعاوى تصفية الشركات و ما ينشا عن التصفية وفق الأحكام المقررة في قانون الشركات)
وفي النص أعلاه فان دعاوى الرسم المقطوع تنظرها محكمة البداءة بدرجة أولى، وعلى وفق التعداد فيها حيث ابتدأ بالدعاوى التي قيمتها اكثر من مليون وتلاها بالدعاوى التابعة للرسم المقطوع، وبذلك فان نص المادة، لم يعتبرها من الدعاوى التي تنظرها بدرجة أخيرة التي ورد ذكرها في المادة (31) مرافعات، وحيث لا يجوز مخالفة النص الصريح، فان دعاوى الرسم المقطوع تبقى موصوفة بالدعاوى التي تنظرها محكمة البداءة بدرجة أولى، علماًان نص المادة أعلاه سابقاً لم يكن يتضمن (دعاوى الرسم المقطوع ) باعتبارها من الدعاوى التي تنظرها محكمة البداءة بدرجة أخيرة، وانما تمت اضافتها الى النص بموجب قانون تعديل قانون المرافعات المدنية رقم 10 لسنة 2016، وهذا ما يوضح عدم ذكرها في اغلب كتب شرح قانون المرافعات التي صدرت قبل نفاذ قانون هذا التعديل،
ومن هذا العرض نرى ان دعاوى الرسم المقطوع هي من الدعاوى التي تنظرها محكمة البداءة بدرجة أولى، ولا يمكن ان تسمى بغير هذا المسمى لان القانون قد سماها بهذا المسمى وجعلها من ضمن النطاق النوعي لاختصاص محكمة البداءة، ولا قول يصمد امام صراحة النص، عملاً بالقاعدة الفقهية (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص) التي وردت في المادة (2) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل،
لكن ما يلفت الظر بانها لا تقبل الطعن استئنافاً وهذا ما درجنا عليه في تطبيقاتنا القضائية، فكيف يكون ذلك؟،
الجواب نجده في نص المادة (185) مرافعات التي حددت نوع الدعاوى التي تنظرها محكمة الاستئناف، حيث حددتها بثلاثة أنواع (1- محاكم البداءة الصادرة بدرجة أولى في الدعاوى التي تتجاوز قيمتها مليون دينار 2- الأحكام الصادرة منها في قضايا الإفلاس 3- الأحكام الصادرة منها في قضايا تصفية الشركات) وهذه وردت على سبيل الحصر، ولا يمكن إضافة أي نوع اخر من الدعاوى، وعلى وفق نص المادة أعلاه التي جاء فيها (يجوز للخصوم الطعن بطريق الاستئناف في أحكام محاكم البداءة الصادرة بدرجة أولى في الدعاوى التي تتجاوز قيمتها مليون دينار و الأحكام الصادرة منها في قضايا الإفلاس و تصفية الشركات)
وحيث ان محكمة البداءة بموجب المادة (32) مرافعات قد اعتبرت أنواع أخرى من الدعاوى تنظر بدرجة أولى وهي (الرسم المقطوع ودعاوى غير محددة القيمة) وهذه لم تدخل في نطاق الطعن استئنافاً، فإنها تخضع للطعن تمييزاً فقط، لان محكمة التمييز تختص بالنظر في كافة الاحكام التي تصدر عن محكمة البداءة سواء بدرجة أولى او بدرجة أخيرة وعلى وفق احكام المادة (203) مرافعات التي جاء في مقدمتها (للخصوم ان يطعنوا تمييزا، لدى محكمة التمييز في الاحكام البداءة او المحاكم الشرعية، ولدى محكمة استئناف المنطقة في الاحكام الصادرة من محاكم البداءة كافة، وذلك في الاحوال الاتية.)
وخلاصة القول ان السبب في هذا الالتباس الذي يقع في البعض ناجم عن عدم صياغة نصوص قانون التعديل رقم 10 لسنة 2016 بشكل سليم يتفق واصول الصياغة التشريعية، لانه أضاف دعاوى الرسم المقطوع الى الدعاوى التي تنظر بدرجة أولى، ولم يلتفت الى نوع الدعاوى التي تنظر استئنافاً، حيث عدل نص المادة (185) مرافعات ولم يلتفت الى ذلك وانما فقط أعاد صياغتها بان جعل قيمة الدعاوى التي تنظرها تزيد على المليون بدلاً من (1000) الف دينار، بينما كان النص القديم على وفق الاتي (يجوز للخصوم الطعن بطريق الاستئناف في احكام محاكم البداءة الصادرة بدرجة اولى في الدعاوى التي تتجاوز قيمتها الف دينار والاحكام الصادرة منها في قضايا الافلاس وتصفية الشركات)
وهذا هو السبب الذي جعل محكمة التمييز تعتقد بان دعاوى الرسم المقطوع من الدعاوى التي تنظر بدرجة أخيرة وهو ما كان سائداً في مرحلة ما قبل التعديل عام 2016، وعليه فان ما ورد في القرار التمييزي محل البحث لا يغير من نتيجة الحكم ويبقى على صحته، انما فقط ما يتعلق بتوصيف الدعوى بانه تنظر بدرجة أخيرة، وهو خلاف نص القانون، وانمت تنظر بدرجة أولى، واهمية هذا التوضيح تتجلى في حماية الحقوق، لان مثلما حصل في الدعوى التي صدر بموجبها القرار محل البحث، فانه اتبع الطعن استئنافاً ظناً منه ان تخضع لهذا الطعن باعتبارها موصوفه بانها من دعاوى الدرجة الأولى، مما أدى الى خسارة طريق من اهم طرق الطعن، ومن ثم فقد فرصة تدقيق الحكم البدائي، لانقضاء مدة الطعن التمييزي، وما اوصي به ان المعيار الذي يجب ان نعتمده في بيان ماهية الدعاوى التي تنظر استئنافاً، هو العودة الى نص المادة (185) مرافعات، ومطابقة الدعوى التي نروم الطعن بها، هل تدخل ضمن الدعاوى الموصوفة في ذلك النص والتي وردت على سبيل الحصر، فان كانت منها يتم الطعن استئنافاً والا الذهاب تلقائياً الى الطعن التمييزي، ونراقب قيمة الدعوى فقط مهما كان وصفها وتوصيفها سواء كانت الزام بدين او تتعلق بحق عيني اصلي او تبعي او محاسبة وغير ذلك.
قاضٍ متقاعد