خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
التقى “أحمد الطيب”؛ شيخ الأزهر، في “البحرين”، عددًا من رجال الدين الشيعة غير المعروفين. وكانت الجلسة تهدف إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية. بحسّب ما استهل “مصطفى محمدي”؛ مقاله على موقع (سياق) الإخباري التحليلي الإيراني.
لكن السؤال: لماذا شاركت شخصيات لا تُمثل رسميًا المجتمع الشيعي والمؤسسات الحوزوية الرسمية في هذه الجلسة ؟ وكيف امتدحوا مواقف شيخ “الأزهر” ؟ كيف يدّعون امتلاك القدرة على التقريب، بينما أكد “الطيب”، غير مرة، في مواقف سابقة، موقفه المعادي للشيعة ؟
في المقابل، هل مثل هذه الجلسات تُمثل خطوة على مسار الوحدة الواقعي، أم أنها مجرد مسّعى لإضفاء الشرعية على شخصيات كانت هى بالأساس سبب الفجوة ؟
التطبيع مع الكيان الإسرائيلي..
وفي الحقيقة، تحول تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي أحد تحديات العالم الإسلامي المهمة، ذلك أن دول كـ”الإمارات والبحرين”؛ التي كانت تعتبر نفسها قديمًا مُلتزمة بـ”القضية الفلسطينية”، ارتبطت بعلاقات رسمية وواسعة النطاق مع “إسرائيل”.
وهذا التغيير لا يقتصر فقط على المستوى الدبلوماسي، وإنما أثر كذلك على المجالات الدينية والإيديولوجية. وأحد أدوات تبرير هذا التوجه شعار: “التسامح الإسلامي” المخادع؛ الذي تتبناه مؤسسات دينية كـ”الأزهر” المصري.
والسؤال: هل يستعمل هذا المفهوم في الحقيقة بهدف التقريب بين المذاهب، أم هو مجرد تغطية لتمرير نظام ديني جديد في الدول الإسلامية، حتى يمكن إفساد ثقافة المقاومة في فكر مسلمي المنطقة واستبدالها بالرضوخ والاستسلام ؟
ولطالما كان لـ”الأزهر”؛ باعتباره أقدم وأكثر المراكز الدينية السَّنية ثقة، تأثير بالغ على الخطاب الديني وسياسات الدول الإسلامية، وقد أكد غير مرة على أهمية التقريب بين المذاهب، لكن بالوقت نفسه شوهدت مواقفه المناهضة للشيعة؛ حيث يتحدث شيخ “الأزهر” في بعض خطاباته عن الوحدة الإسلامية، لكنه من جهة أخرى، اعتبر انتشار التشيع في مواقف متعدَّدة تهديدًا للعالم الإسلامي، وحذر منه.
ازدواجية تثير التساؤل !
هكذا ازدواجية تثير سؤال حول ما إذا كان “الأزهر” بالحقيقة يسعى للتقريب بين الأديان العالمية، أم أنه يعمل في إطار المصالح السياسية لبعض القوى ؟
في غضون ذلك؛ تعقد دول الخليج، كـ”الإمارات والبحرين”، (أنصار تطبيع العلاقات مع إسرائيل)، المؤتمرات تحت مسميَّات مثل التقريب بين الأديان والمذاهب، ومحورها التسامح.
وأحد النماذج الأخيرة على ذلك؛ مؤتمر “أمة واحدة ومصيّر مشترك”، بدولة “البحرين”؛ حيث دُعيت للمشاركة في المؤتمر شخصيات إيرانية، رغم افتقارها المكانة العلمية والدينية المرموقة. هذه المشاركة، تثُير سؤال بشأن ما إذا كان تنظيم مثل هذه المؤتمرات يهدف للحوار بين جميع المسلمين، أم هي للقيام بدور في إطار مشاريع سياسية ومذهبية أكبر ؟
وسوف تناقش هذه المقالة موضوع كيف تقوم مؤسسات كـ”الأزهر”؛ إلى جانب الدول الداعمة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بتغييّر الخطاب الديني لصالح هكذا مسار ؟ وهل هذا التغيير جزء من مشروع غربي واسع النطاق، يسعى لخلق تغيير تدريجي في أفكار الشباب، وتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” في المجتمعات الإسلامية، عبر الاستفادة من شعارات مثل التسامح الإسلامي ؟
مواقف شيخ الأزهر المناهضة للوحدة..
أعلن شيخ الأزهر؛ “أحمد الطيب”، في حوار إلى فضائية (BBC)، نيسان/إبريل 2010م، عن مواقفه العدائية تجاه نشر التشيع في المجتمعات السنَّية، وادعى مشيرًا للاختلاف بين نشر وترويج مذهب معين وفكرة التقريب بين المذاهب: “تجري خطط لتوجيه الشباب السَّني في مصر والدول العربية؛ نحو الثقافة الشيعية”.
وأكد متضامنًا مع “يوسف القرضاوي”؛ على ضرورة مكافحة هذا المسّار، وصرح: “كما لا نقبل بترويج المذهب السَّني بالنجف، فإننا لا نقبل بترويج المذهب الشيعي في المجتمعات السَّنية”.
وهذا التصريح يعكس من جديد أن “الأزهر” لا يسّير في رُكاب التقريب بين المذاهب، وإنما يتبنى سياسات ازدواجية؛ حيث يقبل بالترويج الديني فقط إذا كان يخدم مصالحه. وقد وصف كذلك ترويج التشيع عبر تقديم دعم مالي وإجراءات موجهة بـ”المنافسة السياسية” تحت الغطاء الديني، في حين أن “الأزهر” نفسه لطالما روج للأفكار المناهضة للشيعة مستفيدًا من الدعم المالي الكبير من جانب بعض دول المنطقة.
رؤية أمنية احتكارية..
وفي حوار سابق مع فضائية (العربية)؛ بتاريخ نيسان/إبريل 2010م، وصف شيخ “الأزهر”؛ الطلبة الشيعة: بـ”الخطر” الذي يتهدد الطلبة السَّنة، وحضورهم الفكري: بـ”المصيدة” للطلبة السَّنة.
وهذه التصريحات تعكس رؤية “الأزهر” الأمنية والاحتكارية للتعامل الديني، الذي يقدم أي ميل للتشيع باعتباره تهديدًا سياسيًا بدلًا من ترويج الحوار العلمي. وهو يتحدث عن التقريب بين المذاهب، لكن يتبنى على الصعيد العملي سياسيات تقييد ضد الطلبة الشيعة.
وفي العام 2013م؛ أكد بيان “الأزهر” الخاص بإدانة اغتيال الشيخ “حسن شحاته”؛ على حرمة إراقة الدماء، لكن في الواقع لم يستطع شيخ “الأزهر” اخفاء مواقفه المناهضة للشيعة، وبدلًا من إدانة هذه الجريمة الوحشية بشكل صريح، سعى عبر الاستفادة الخاطئة من حديث: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، للقول إن المقتول في النار، بينما المقصود بالحديث اقتتال طرفين يحمل كلاهما سلاحًا.
لكن “شحاته” لم يرفع سلاح ولم يقم بإي إجراء يتسم بالعنف، بل كان ضحية هجوم وحشي. مع هذا تبنى “الأزهر” نبرة ازدواجية كأنما يريد القاء مسؤولية هذه الجريمة على الجاني نفسه، وإخفاء مواقفه المناهضة للشيعة بين ثنايا الكلمات، بدلًا من الوقوف إلى جانب الضحية.
فلو كان شيخ “الأزهر” مُلتزم بتحقيق العدالة وحرمة دماء المسلمين، فلماذا لم يصف بوضوح هذه القتل غير المبرر بالجريمة ؟ ولماذا لم يتخذ موقفًا صريحًا يدعم الضحايا ؟ ألا تعكس هذه الازدواجية أن التعصب المذهبي ما يزال يؤثر على مواقفه ؟
مواقف منحازة للرياض وتخدم الغرب..
وفي تصريح آخر بتاريخ 15 آذار/مارس 2015م، كشف شيخ “الأزهر” من جديد ارتباطه الواضح بالسياسات الإقليمية المناهضة للشيعة، واتهم الكتائب الشيعية في “العراق”؛ (متجاهلًا جرايم تنظيم داعش)، بارتكاب جرائم إبادة ضد أهل السَّنة، ووصف قوات (الحشد الشعبي) بالمأجورين الشيعة المتطرفين.
هذا الموقف الذي اتسم بالتناغم مع دعايا الإعلام السعودي، تسبب في ردود فعل واسعة من جانب علماء الشيعة. واتهمه البعض بالانحياز الواضح لسياسات “الرياض”، وطلب إليه شيعة “مصر” أن يسلك طريق الاعتدال أو يتنحى عن منصبه.
وتعكس تصريحات شيخ “الأزهر” من جديد سياسة التمييز تجاه التطورات الإقليمية؛ حيث تتخذ هذه المؤسسة موقفًا يعمق فجوات التشرذم في العالم الإسلامي، بدلًا من القيام بدورها باعتبارها مرجع ديني محايد.
وفي كانون أول/ديسمبر من العام نفسه، أثبت “الطيب” موقف “الأزهر” المتشدَّد دينيًا، بمعارضة تخصيص مقعد للشيعة في “البرلمان المصري”. وأنكر بوقاحة وجود الشيعة في “مصر”، وأطلق على المجتمع الشيعي مسمى المنتفعين ومثيري الفتنة، وأكد أن هكذا مطلب هو بمثابة دعوة صريحة للفتنة بين أبناء الشعب المصري.
وتلك التصريحات تبيَّن، خلاف ادعاءات “الأزهر” بخصوص التقريب بين المذاهب، السياسة الرسمية لتلك المؤسسة في قمع أي وجود للتشيع في “مصر”. ورفض أي انتقادات لتعامل “الأزهر” مع الشيعة، متعللًا بالدفاع عن الصحابة، وقدم الشيعة باعتبارهم عامل تفرقة، دون أدنى إشارة إلى ضرورة خلق فضاءات للتعايش المذهبي.
وهذا الموقف لا يُفضح فقط تعارض “الأزهر” مع أسس التقريب بين المذاهب، يؤيد جهود هذه المؤسسة لإقصاء الأصوات المعارضة في المجتمع المصري.
ادعاءات فاضحة..
وكان شيخ “الأزهر” قد ادعى؛ في حوار بتاريخ 26 تشرين ثان/نوفمبر 2015م، أن “الأزهر” لا يُعارض المذهب الشيعي، لكن لا يقبل نشره وترويجه بين أهل السَّنة، واعتبر أن نظرية “ولاية الفقيه” هو نتاج فراغ تاريخي في فترة غياب “إمام الزمان”، وادعى عدم وجود هكذا مفهوم في المصادر الأولية للشيعة.
وتلك التصريحات تعكس تصوره السطحي والمغلوط عن الأسس الفكرية والفقيه الشيعية؛ حيث شرع الكثير من علماء الشيعة أمثال الشيخ “مفيد”، والعلامة “الحلي”، في بيان ضرورة وجود “ولاية الفقيه” في عصر الغيبة قبيل قرون من الوقت الراهن.
ووصف في جزء آخر من التصريحات، انتشار التشيع بالمخطط السياسي للسيطرة على المنطقة. ولو كان قلقًا بالفعل إزاء الحيلولة دون الاستفادة السياسية من الدين، فلماذا اختار الصمت حيال انتشار التيارات المتطرفة مثل (داعش) التي تهيء أجواء التفرقة بين المسلمين ؟
يُذكر أن “الطيب” كان قد زار “إندونيسيا”؛ بتاريخ 23 شباط/فبراير 2016م، وخلال الزيارة أبدى قلقه من انتشار التشيع في الدول السَّنية، داعيًا الشباب السَّني إلى التمسك بعقائدة والترفع عن قبول التشيع.
وهذا الموقف يعكس سياسة “الأزهر” الازدواجية حيال التقريب بين المذاهب؛ حيث يؤكد من جهة على الوحدة، ويعتبر من جهة أخرى انتشار التشيع خطرًا على هذه الوحدة.
وطلب (بالمخالفة لادعاءات حياد الأزهر)؛ إلى الشباب السَّني، إلى الصمود في مواجهة ما وصفها بدعوات التفرقة. هذه التصريحات تثبت أن “الأزهر” يتبع سياسات تقيّيد ضد الشيعة، وتقوية النظرة الاحتكارية في المجتمعات الإسلامية، بدلًا من القيام بدور الوساطة الحيادية في التقريب بين المذاهب. وبعدها بخمسة أيام، شدد رئيس مجلس حكماء المسلمين على عدم تكفير الشيعة، معتبرًا أن نشر التشيع أحد أكبر العقبات على مسار التفاهم والتقريب بين المذاهب، وصرح:” نرفض وندين بشدة حركات ترويج التشيع في بلاد أهل السنة، ونحذر من التداعيات الخطيرة لذلك”. وهذه المواقف لا تتعارض فقط وروح الوحدة الإسلامية، بل تتناقض ومبدأ الحوار بين المذاهب حيث يعتبر الأزهر نفسه رائدًا في هذا المجال. وبينما يحتاج العالم الإسلامي إلى التناغم أكثر من أي وقت مضى، لا تعرقل تصريحات شيخ الأزهر التقريب بين المذاهب فقط، وغنما تبعث على تعميق سوء التفاهم وتفاقم الاختلافات.