خاص: إعداد- سماح عادل
“نعيمة سميح” مطربة مغربية، من أهم أصوات الموسيقى المغربية في النصف الثاني من القرن العشرين. اشتهرت خلال سبعينيات القرن ال20، وانتشرت أغانيها في المغرب والجزائر وتونس ودول عربية أخرى، ولقبت بسيدة الطرب.
تميزت بصوتها العذب القوي وإحساسها الصادق، جمعت في أدائها بين العمق العاطفي والتقنيات الغنائية العالية. تألقت بقدرتها على التنويع بين الطبقات الصوتية بسلاسة، أعطت أغانيها طابعا خاصا ما بين الشجن والقوة. أتقنت الأغنية الطربية المغربية، وأبدعت في تقديم لون متميز ما بين الأصالة والتجديد، لتصبح من أبرز رموز الأغنية المغربية عبر العقود.
صوتها الاستثنائي بالإضافة إلي أدائها العفوي والصادق الذي يعكس عمق المشاعر في كل أغنية تؤديها. جعلها تحافظ على هوية الأغنية المغربية الأصيلة مع إضافة لمساتها الخاصة التي جعلتها متفردة في الساحة الفنية. كما أظهرت قدرة فريدة على إيصال المعاني بإحساس مرهف، سواء في الأغاني العاطفية أو الوطنية، مما أكسبها قاعدة جماهيرية واسعة داخل المغرب وخارجه. وكانت قدرتها على المزج بين التراث الموسيقي والتعبير الحديث من العوامل التي جعلت أعمالها خالدة في الذاكرة الفنية.
حياتها..
وُلدت في منطقة درب السلطان بمدينة الدار البيضاء سنة 1953 وبالضبط في حي بوشنتوف. نشأت في حي كان يعرف نشاطًا ثقافيا ورياضيا متميزا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، أخرج العديد من الأسماء الأدبية والرياضية والمسرحية والموسيقية المغربية. ظهرت مواهبها الغنائية مبكرا في سن التاسعة.
توقفت عن الدراسة عند مستوى الشهادة الابتدائية وغادرت المدرسة، لتتجه إلى التكوين المهني في المدرسة الوطنية للحلاقة سنة 1966 واشتغلت في صالون حلاقة في درب السلطان قبل أن تستقل بصالونها الخاص.
الفن..
بدايتها الحقيقية من خلال برامج اكتشاف المواهب الفنية التي كانت تقدمها الإذاعة والتلفزة المغربية، وكان أول ظهور لها في برنامج «خميس الحظ» الذي كان يعده الإعلامي محمد البوعناني، أتبعته بمشاركة في برنامج المسابقات «مواهب» الذي كان يقدمه عبد النبي الجيراري، وهو البرنامج الذي كان مشتلا للعديد من الأصوات المغربية المتميزة في نهاية الستينات كسميرة سعيد ومنتصف السبعينات عزيزة جلال.
كانت مسيرة مهددة بالتوقف أمام المعارضة الشديدة لوالدها المحافظ لولوج ابنته عالم الغناء، ولم يتقبل الأمر إلا بعد تدخل فنانين وإعلاميين مرموقين كمحمد بنعبد السلام ومحمد البوعناني وخالد مشبال، الذين كانوا مؤمنين بموهبة نعيمة، وطمأنوا والدها بأنها ستكون بين أياد آمنة. اشترط والدها على أن تقتصر مسيرتها الفنية على الموسيقى العصرية المغربية وأن لا تشتغل إلا مع كتاب كلمات وملحنين محترمين وفي مواضيع بكلمات راقية.
تميزها..
تعرف «ببحتها» الصوتية المميزة وبطريقة أدائها القريبة من الأسلوب الغنائي للجنوب المغربي الأمازيغي، إضافة إلى حسها المرهف وشخصيتها الخجولة أمام الجمهور وذلك ما مكنها من أداء قطع غنائية، صعبة موسيقيا، وتغلب عليها مواضيع الشجن والشوق والحنين والزجل المغربي الأصيل ويظهر ذلك جليا في قطع «جريت وجاريت» و «على غفلة». تملك في رصيدها الفني أيضا العديد من الأغاني الدينية والوطنية كأغنية «رحلة النصر» التي تعاملت فيها مع الموسيقار عبد الوهاب الدكالي.
لم تدرس الموسيقى أكاديميا وكانت تمتلك أذنا موسيقية ساعدتها في مسيرتها. حرصت على التعامل مع ملحنين وكتاب كلمات لهم وزنهم في المغرب كان لهم دور كبير في إبراز مواهبها الفنية وإنجاز أعمال من مستوى عال، في أصناف غنائية متنوعة ومعقدة، ومن أهمهم عبد الله عصامي، علي الحداني، عبد القادر الراشدي، محمد بنعبد السلام وعبد الوهاب الدكالي، في المغرب، إضافة إلى الكويتي يوسف المهنا.
الزواج..
تزوجت في بداية سبعينيات القرن العشرين من البطل المغربي في رياضة الدراجات مصطفى بلقايد ولهما ابن وحيد اسمه «شمس الدين». عانت كثيرا مع مرض فقر الدم وكانت مجبرة على القيام برحلات علاجية كثيرة خارج المغرب، وهو الأمر الذي كان كثير التأثير على مسيرتها الفنية بحيث كان شبح الاعتزال، بدافع المرض، دائما حاضرا لديها. هذا الجانب من حياتها كان له تأثير كبير على شخصيتها وأسلوبها الفنيين.
من أشهر أغانيها “ياك آجرحي” و”جاري يا جاري” و”على غفلة” و”غاب علي الهلال” كما تعاملت مع كبار الملحنين أمثال عبد القادر الراشدي وعبد القادر وهبي وأحمد العلوي، وكذلك كبار الشعراء أمثال علي الحداني وأحمد الطيب العلج.
وصفت بأنها سيدة الأغنية العصرية في المغرب وسجلت اسمها كأصغر فنانة عربية وثالث مطربة عربية تغني على خشبة مسرح الأولمبيا الشهير في باريس عام 1977 بعد كل من أم كلثوم وفيروز.
نعي..
نعى عدد من المسئولين والفنانين والمثقفين والإعلاميين بالمغرب “نعيمة سميح”، نعاها محمد مهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل قائلا : “إحدى القامات الفنية التي تركت بصمة خالدة في الوجدان المغربي بأعمالها التي عبرت الأجيال، وستظل شاهدة على موهبتها وإبداعها”.
وفاتها..
توفيت “نعيمة سميح” في يوم السبت 8 مارس 2025 عن عمر ناهز الحادية والسبعين بعد صراع طويل مع مرض السرطان. وشُيِّع جثمانها إلى مقبرة سيدي امحمد في بنسليمان، حيث ووري الثرى بعد صلاتي الظهر والجنازة، بحضور شخصيات فنية.