-1-
كان الحقد الضاري على أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب في ظلِّ العهد الاموي، يمنع الحسن البصري من ان يسميه باسمه فكان اذا حدّث عنه يقول :
” قال أبو زينب ” …!!
مجارةً للامويين وخوفاً منهم ..!!
وحين سأله (ابن عيّاش) :
ما هذا الذي يقال عنك أنك قُلْتَه في عليّ ، قال :
( يا ابن أخي أحقنُ دمي من هولاء الجبابرة )
-2-
وحين سقطت الدولة الأموية ، وقامت دولة بني العبّاس ، لم تختلف الحالة كثيراً عمّا كانت عليه في العهد الأموي ، لابل زادت المظالم ، ودُفن العلويون أحياءً ،وطوردوا وراء كل حجر ومدر ، حتى قال الشاعر :
والله ما فعلتْ أميّةُ فيهُمُ
مِعْشارَ ما فعلتْ بنو العباس
-3-
وهذا الخطيب البغدادي يحدّثنا في (تاريخ بغداد) عن أبي معاوية أنه قال :
” دخلتُ على هاورن الرشيد ، فقال لي :
يا أبا معاوية
هممتُ بمن أَثْبَتَ خلافةَ عليّ فعلتُ به وفعلت
فسكت “
ان الرشيد هنا يحاول نَسَفَ التاريخ برمته ، وان يلغي تبوّء الامام امير المؤمنين للخلافة كليّاً، ويتصدى لانزال أكبر العقوبات بكل اولئك الذين يعدوّنه من الخلفاء الراشدين ..!!
انها محاولة محمومة لن يكتب لها النجاح ، فليس بمقدور أحد ان يغيّر مجرى التاريخ …
ثم قال الرشيد لابي معاوية :
( تكلّمْ
قلتُ (اي قال أبو معاوية ) :
إنْ أذنتَ لي تكلمتُ
قال : تكلّمْ
فقلتُ :
يا امير المؤمنين :
قالت تيم : منّا خليفة رسول الله ،
وقالت عديّ : منّا خليفةُ رسول الله ،
وقالت بنو أميّة : منّا خليفةُ رسول الله ،
فأين حظكم يابني هاشم من الخلافة ؟
والله ما حظكم إلاّ بابن ابي طالب “
وهكذا استطاع (أبو معاوية) ان يصرف الرشيد عما أراد ..!!
أقول :
ان الرشيد هنا لم يرضخ ولم يذعن للواقع ،وانما أخذته العزة بالاثم وأراد ان يكون للهاشميين حظهُم في الخلافة في مقابل (تَيْم) و(عديّ) و(بني أميّة) ولولا ذلك لبقي مُصراً على عدائه ومكابرته .
ان الذي حمل الرشيد على ما أراد هو البغض الشديد للعلويين الذين كان يعتبرهم من خصومه السياسيين وانه انما فكّر في انكار خلافة امير المؤمنين ونفيها ليسلب منهم كل فضيلة ومنقبة وليجردهم من مفاخرهم ومآثرهم …
ولكن هيهات ….
ان هذه النزعة،- تجريد المنافسين والخصوم السياسيين مما يملكونه من مآثر وايجابات، – انما هي نزعة المغرورين بالسلطة ، والمفتونين ببريقها ، والراغبين في دوامها لهم ..!!
وقديما قيل
( لو دامت لغيرك لما وصلت اليك )
ان التربع على دست الحكم امتحان صعب للغاية وقلّ مَنْ ينجح فيه ..!!
وهنا نحن نرى في العراق الجديد الكثير من السلطويين تتراكم اخفاقاتهم وتعظم المفارقات التي تسجّل عليهم، لتظل محل ملاحقة ومتابعة على مدار التاريخ
والشاعر العربي يقول :
وانما المرء حديثٌ بَعْدَهُ
فكنْ حديثاً حسناً لمن روى
إنّ الذكر الحسن هو العمر الثاني
احفظ لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذِكْرُ للانسان عمرٌ ثاني
وليست المسألة مؤجلة الى مرحلة الرحيل عن سطح هذا الكوكب وانما هي مسألة تدور مع السلطويّ حيثما دار، وتتعقبه في كل الديار والأعصار ….