رمضان بين الماضي والحاضر المقالة الثامنة..

رمضان بين الماضي والحاضر المقالة الثامنة..

رمضان بين الماضي والحاضر…
المقالة الثامنة…
في كل شهر رمضان من اعوامنا السابقة، تقوم بعض العائلات في قريتنا بتحضير وجبة إفطار لكل الرجال الصائمين في تلك القرية.
عادةً ما يقوم صاحب الدعوة بذبح إحدى شياهه من الغنم أو الماعز وتحضير وجبة الإفطار لابناء قريته…
كانت بداية هذه الدعوات تُقام في منزل مختار القرية، ثم يتبعها أصحاب العائلات الذين لديهم القدرة المالية على تحضير مثل هذه الوجبات لإفطار الصائمين.
كانت وجبة الإفطار تتكون من مناسف تحتوي على الخبز مع المرق وفوقه قطع من اللحم، وربما أحيانًا قليل من الأرز في وسط المنسف. بصراحة، كانت هذه الوجبات تُعتبر مفيدة لبعض الأشخاص المحتاجين في القرية الذين لا يستطيعون شراء اللحوم باستمرار، وربما تدخل الى منازلهم أحيانًا خلال فترات متباعدة تتجاوز الثلاثة أشهر وربما أكثر.
يحضر جميع الصائمين من أبناء القرية إلى منزل الشخص صاحب الدعوة ويجلسون في الفضاء الخارجي لمنزله إذا كان شهر رمضان قد صادف في فصل الصيف أو الربيع، أو في إحدى الغرف الطينية إذا كان شهر رمضان قد صادف في فصل الشتاء. كنا نحن صغار السن في ذلك الوقت نشعر بلذة واستمتاع كبير لمثل هذه المناسبات لعدة أسباب؛ أولها أنك تشعر بأنك قد وصلت إلى مرحلة الرجولة كونك تجلس مع أشخاص كبار في السن، والنقطة الثانية والمهمة أنك سوف تتناول وجبة دسمة في إفطارك من اللحوم وربما يتبعها قليل من الحلويات إذا كان صاحب الدعوة من الموظفين العسكريين أو المدنيين ويتردد إلى المدينة ضمن عمله الوظيفي دائمًا.
وكان الحديث أثناء مثل هذه التجمعات غالبًا ما يكون عن مناقشة الوضع العام، خاصة موسم الأمطار والزراعة وكل المواضيع المهمة المتعلقة بأمور القرية…
كانت القرية تُعتبر عائلة واحدة كبيرة يجتمع أهلها في أحد المنازل عند أي مناسبة اجتماعية تُقام بينهم.وكنا نعتبر مثل هذه الدعوات وهذه التجمعات تواصلًا لصلة الأرحام، حيث تجد بعض الخصوم الذين اختلفوا لأسباب بسيطة يجتمعون ويلتقون في هذه المناسبة بقلوب صافية، ينتهي عندها الخلاف وتعود علاقاتهم إلى ما كانت عليه في السابق…
كنا نكن كل الاحترام لهؤلاء الأشخاص الكبار البالغين في السن في هذه التجمعات ونقدم لهم كل ما نستطيع من خدمة لأننا نعتبرهم مراجع لنا وأولياء لأمورنا الحياتية وكنا نتقبل منهم النصيحة ونسمع كلامهم، ورغم أن أغلبهم كان يعيش بعيدًا عن عالم الدراسة نتيجة انتشار الجهل في وقته، إلا أن توجيهاتهم دائمًا كانت تحثنا على مواصلة الدراسة وينصحوننا بأداء واجباتنا المدرسية ويحفزوننا بأن هناك مستقبلًا أفضل لنا في حالة حصولنا على الشهادة. وهذا ما كان يشجعنا وربما نتفاخر به ونتباهى عندما نحصل على درجة النجاح العالية وتجدنا نأتي مسرعين إليهم لنفرحهم بها.
هكذا كانت هي القرية وهكذا كانت دعوات وتجمعاتنا الطيبة في رمضان.
وإلى مقالة أخرى، ورمضان كريم علينا وعليكم بالخير…