طرح الدكتور ظافر البهرزي استاذ مادة التأريخ في جامعة ديالى في جلسة صالون الدكتور تحسين طه أفندي ألأسبوعية مصطلحا سمعته لأول مرة (( ديوان زمام الأزمة )) , مما اقتضى البحث لأدراك مافات معرفته , فوجدت ان معنى (( زمام الأزمة )) : زمام , في اللغة العربية ((الزمام )) يعني الحبل الذي يقاد به الحيوان , أو ما يشد به الشيء , ومجازيًا يعني السيطرة والتحكم , والأزمة : يعني حالة صعبة أو حرجة , قد تكون اقتصادية , سياسية , أو اجتماعية , فإذًا , (( زمام الأزمة )) , يعني السيطرة على الأزمة والتحكم فيها , أو القدرة على إدارتها والتغلب عليها , وهناك مثل عربي قديم يحث على الجد والاجتهاد يقول : (( هذا أوان الشد فاشتدي زيم )) .
يقال إن كلمة (( ديوان )) أصلها فارسي , كما ورد في الصّحاح , وتدل على الكتبة ومكانهم , واستخدم العرب كلمة (( الديوان)) للدلالة على الدفتر الذي تسجل فيه الأشياء , وكذلك على مجموع الشِّعر , وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال: (( إذا قرأتم شيئا من القرآن ولم تعرفوا عربيته فاطلبوه من شعر العرب فإنه ديوانهم )) , والحقيقة ان ألأسلام كان قد أحدث نقلة نوعية للعرب , فمن مرارة الجوع في شِعْب بني هاشم إلى فائض في الميزانية بمقدار 900 مليون دينار ذهبي في عهد الرشيد العباسي , وكان اول ما أنشأت الدواوين في عهد عمر بن الخطاب نتيجة لاتساع الدولة الإسلامية , واتصال المسلمين الفاتحين عن قرب بالأنظمة الفارسية والبيزنطية في الأقاليم والتعرف على حضارتها , فانتقوا من بين ذلك ما وجدوه ملائمًا للاقتباس , كما أبقوا على الكثير من الأنظمة الإدارية التي ثبت لهم صلاحيتها لتلك البلاد.
يعتبر ديوان زمام الأزمة من أهم الدواوين التي ظهرت في العهد الأموي , وكان له دور كبير في تنظيم الشؤون المالية للدولة , وقد اختلف المؤرخون حول تاريخ نشأة ديوان زمام الأزمة , فبينما يرى البعض أنه استحدث في عهد الخليفة المهدي , ينسبه البلاذري إلى الأمويين , وقد تطور هذا الديوان بمرور الوقت , حيث كان في البداية يشرف على أعمال الدواوين الكبيرة ويراقب الناحية المالية , ثم أصبح له دور أكبر في تنظيم جميع دواوين الأزمة , وكان ديوان زمام الأزمة يشبه ديوان المحاسبة في الوقت الحاضر, حيث كان يهتم بالتدقيق والحسابات والشؤون المالية التي يتصرف بها ديوان من الدواوين , وكان صاحب هذا الديوان يشبه وزير المالية , حيث كان يجمع الواردات كلها وأنواع النفقات ويقيم الموازنة بينهما .
ظل ديوان الخراج على ما كان عليه قبل الإسلام , فقد كان ديوان الشام بالرومية , وديوان العراق بالفارسية , وديوان مصر بالقبطية , ولم يزل الأمر على ذلك حتى زمن عبد الملك بن مروان فأمر بتعريب دواوين الخراج في الأمصار الإسلامية المختلفة سنة 81هـ , ففي الشام أمر عبد الملك سليمان بن سعد الخشني , بنقل ديوان الشام إلى العربية فسأله أن يُعيِّنَه بخراج الأردن سنة ففعل , وولاّه الأردن فلم تنقضِ السنة حتى فرغ من نقله , وأتى به عبد الملك فدعا سرجون الرومي كاتبه فعرض ذلك عليه فغَمَّه , وخرج من عنده كئيبًا , فلقيه قوم من كُتَّابِ الروم , فقال لهم : اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم , وكان سرجون بن منصور الرومي يتقلد ديوان الخراج منذ زمن معاوية حتى زمن عبد الملك بن مروان , أما بالنسبة للعراق فقد أمر الحجاج بن يوسف كاتبه صالح بن عبد الرحمن بتحويل الديوان من الفارسية إلى العربية , بعد قتل زاذان فروخ وكان يتقلد ديوان الخراج بالعراق في أيام ابن الأشعث , فلما علم مردانشاه بن زاذان فروخ بذلك بذل له مائة ألف درهم ليظهر للحجاج العجزعن النقل , فلم يفعل فقال له : قطع الله أوصالك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية , فكان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد يقول: لله دَرُّ صالح ما أعظمَ منَّتَه على الكُتَّاب , وفي سنة 86هـ نقل عبد الله بن عبد الملك بن مروان دواوين مصر إلى العربية , فصرف عبد الله بن عبد الملك أشناس عن الديوان وجعل عليه ابن يربوع الفزاري من أهل حمص.
تطورت النظم الإدارية في العصر العباسي تطوراً ملحوظاً , إذ اتبعّوا في بداية الأمر النهج الذي كان عليه العصر الأموي , واستخدموا طريقة الأمويين في الاستعانة برجال ذات قدرة وكفاءة في الإدارة , وأصبحت الدواوين لها دفاتر خاصة , وتعتبر هذه خطوة إدارية مهمة إذ أصبحت الدواوين تسجل كل أحوال الدولة وما يدخل إليها وما يخرج منها , كما اهتموا بالناحية الاقتصادية لما لها من تأثير على الحكم والدولة والرعية , ومن هذه الدواوين ديوان الازمة , الذي انشأه الخليفة المهدي , وقد سمي ديوان الازمة في العاصمة وديوان الزمام في الولايات و كان يهتم بالدرجة الاولى بالتدقيق والحسابات والشؤون المالية التي يتصرف بها اي ديوان من الدواوين , وكان صاحبه يشبه وزير المالية , فهو يجمع الواردات كلها وانواع النفقات ويقيم الموازنة بينهما .
تنوعت وظائف ديوان زمام الأزمة , ومن أهمها : ((الإشراف على أعمال الدواوين الكبيرة ومراقبة الناحية المالية , تنظيم جميع دواوين الأزمة , جمع الواردات وأنواع النفقات وإقامة الموازنة بينهما , التدقيق في الحسابات والشؤون المالية التي يتصرف بها ديوان من الدواوين , وقد قيل شعرا عن أهمية المال في الدولة : (( المالُ عصبُ الحياةِ بهِ قوامُها وبهِ تُقضى مصالحُ الأنامِ , فاحرصْ عليهِ ولا تبذلْهُ في سرفٍ فإنهُ عُدَّةُ الأيامِ )) , وهناك أبيات عن أهمية الحسابات والدقة : (( أحْصِ الأمورَ بدقةٍ ورويَّةٍ فالأمرُ إنْ فُرِّطَ فيهِ تفرَّطا , ودعِ التسرُّعَ في اتخاذِكَ خطوةً فالعاقلُ المتريِّثُ لا يورِّطا )) , وعن أهمية حفظ المال العام : (( مالُ الرعيةِ أمانةٌ في عنقِ الأميرِ فليحفظْهُ وليصُنْهُ , ولا يبذلْهُ في غيرِ حقِّهِ فإنهُ سيسألُ عنهُ يومَ القيامةِ )) .