يقول أبو الأسود الدؤلي : (( تَعَوَّدتُ مَسَّ الضَرِّ حَتّى أَلِفتُهُ وَأَسلَمَني طولُ البَلاءِ إِلى الصَبرِ , وَوَسَّع صَدري لِلأَذى كَثرَةُ الأَذى وَكانَ قَديماً قَد يَضيقُ بِهِ صَدري)) , ذات يوم شرحوا لنا في المدرسة شيئا عن التعود , حين نشم رائحة تضايقنا فإن جملتنا العصبية كلها تنتبه وتعبّر عن ضيقها , بعد حين من البقاء مع الرائحة يخف الضيق , ومعنى هذا أن هناك شعيرات حساسة في مجرى الشم قد ماتت فلم تعد تتحسس , ومن ثم لم تعد تنبّه الجملة العصبية , والأمر ذاته في السمع , حين تمر في سوق النحاسين فإن الضجة تثير أعصابك , لو أقمت هناك لتعودت مثلما يتعود المقيمون والنحاسون أنفسهم , السبب نفسه : الشعيرات الحساسة في الأذن قد ماتت , (( نحن لانتعود إلا إذا مات فينا شيء , تصور حجم ما مات فينا حتى تعودنا على كل ما يجري حولنا )) .

يقول الدكتور محمد هاني : (( التعود أصعب من الحب , لأن الحب حالة أما التعود سلوك )) , قد يكون التعوّد أصعب من الحُب , فحين تُحِب يُمكن أن تنسَى , لكن إن اعِتَدت على شخص فلن تتخلَى عنه بسهولة , فكيف إذا اجتمع الحُب والاعتياد , اذا اجتمع الحب والاعتياد وبعدهن الابتعاد فأنت من اشقى اهل الارض , ومشكلة التعود حتى فى الموت , لاتتخيل ان الشخص مات ولهذا يبقى محفورا رغم مرور السنين , واى موقف يحدث بعد الموت لابد ان يأتيك شريطا بعقلك لو كان موجودا سيقول كذا , وتسرد موقفا مر بينكما مشابها , أى هو موجود , جسده رحل ولكن الروح تظل شريكتنا مدى الحياة .
يحثنا البحتري على التعود على الصبربقوله : (( تَعَوَّدَ صَبْرًا فَالصَّبْرُ أَجْمَلُ وَمَنْ لَمْ يَتَعَوَّدْ صَبْرًا فَهُوَ أَذَلُّ )) , وأياً كان موضوع التعود سواء على الأمور أوالأشياء أو الأشخاص أوالسلوكيات التي نمارسها نحن أو يمارسها الآخرون معنا أو ضدنا , هو نوع من الإدمان , والاعتياد على روتين الحياة بمركباتها المختلفة إدمان , والتعود حين ننقلب عليه ونقرر التغيير سنجد له أعراضاً انسحابية , تقوى وتضعف بحسب شدة التعود وطول أمده وعمق التعلق السابق به , والتخلي ليس سهلاً حتى عن الأشياء التي ارتحنا لاستخدامها أو الأشخاص الذين أحببناهم , لكننا اكتشفنا بعد حين أنهم أحدثوا ثقباً في شريان رئيس , وتسببوا في نزيف حاد للمشاعر والمعنويات والسعادة , الا ان توفر الإرادة والرغبة في توفير شواغر لبدائل أفضل يبدو بمثابة المسكنات التي تساعدنا على تحمل الأعراض الانسحابية وتقصر مدتها , إنه الأمل , الأمل بغد أفضل , و معاناتنا مع التعود على السلوكيات والأشخاص , وحاجتنا لمسكنات اجتياز الأعراض الانسحابية هنا أكبر , ومهما بدت قسوة تلك الأعراض , فمن الخطأ الفادح أن نسمح لها بإحداث النهم على الحصول على أشخاص آخرين لمجرد شغل الفراغ , وشغلنا عن الشعور الموجع بالفقد , نحن بحاجة كبرى لوعينا , فالخطأ لا يعالجه الخطأ , ووضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب ليس إلا ألماً جديداً بدل الألم القديم .

 

تعكس أبيات أبو العتاهية كيف أن الناس قد تعودوا على الميل لمن يملك المال أو الذهب :((رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ مَالُوا إِلَى مَنْ عِنْدَهُ مَالُ وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَالُ فَعَنْهُ النَّاسُ قَدْ مَالُوا رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ ذَهَبُوا إِلَى مَنْ عِنْدَهُ ذَهَبُ وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ ذَهَبُ فَعَنْهُ النَّاسُ قَدْ ذَهَبُوا رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ فَضَلُوا إِلَى مَنْ عِنْدَهُ فِضَلُ وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ فِضَلُ فَعَنْهُ النَّاسُ قَدْ فَضَلُوا)) , وقوله أيضًا : ((تَعَوَّدَ صَالِحَ الأَخْلاقِ فَإِنَّ العَادَةَ طَبْعُ وَمَنْ يَتَعَوَّدُ غَيْرَ الصَّالِحِ فَهُوَ مُضَيِّعُ)), وهذه الأبيات تحث على التعود على الأخلاق الحميدة , لأن العادة تصبح طبعًا , وقول ابن الرومي : ((تَعَوَّدَ صَالِحَ الأَخْلاقِ فَإِنَّ العَادَةَ طَبْعُ وَمَنْ يَتَعَوَّدُ غَيْرَ الصَّالِحِ فَهُوَ مُضَيِّعُ))

يقول الشاعر الشعبي : ((ﻋﻠﻴﻚ ﺗﻌﻮﺩﺕ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺸﺠﺮ ﻉ ﺍﻟﻤﺎﻱ ﻭﺷﺤﺎﻝ ﺍﻟﺸﺠﺮ ﻟﻤﻦ ﻳﺠﻒ ﻣﺎﻳﻪ , ﻭﺣﻔﻈﺘﻚ ﻣﺜﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﺣﺎﻓﻆ ﺍﻻﻳﺎﺕ ﻭﻳﺎﻣﺆﻣﻦ ﺗﻔﺎﺭﻙ ﺧﺎﻃﺮﻩ ﺍﻻﻳﻪ , ﻳﺎﺍﻭﻝ ﺟﺮﺡ ﺗﺘﺒﺎﻫﻪ ﺑﻴﻚ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﻗﺎﺭﻱ ﻣﺤﺒﺘﻚ ﻣﻦ ﺯﻏﺮﻙ ﻗﺮﺍﻳﻪ , ﺷﻠﻮﻥ ﺗﺮﻭﺡ ﻋﻨﻲ ﻭﻳﺎﻛﻠﺐ ﻳﻨﺴﺎﻙ ﻭﺍﻧﺘﻪ ﺍﻟﻲ ﺻﺮﺕ ﻟﻤﺮﺍﻳﺘﻲ ﻣﺮﺍﻳﻪ , ﺗﺪﺭﻳﻨﻲ ﺑﻤﺤﺒﺘﻚ ﻃﺎﻣﻊ ﺑﻤﻠﻜﺎﻙ ﻭﻣﺎﻋﻨﺪﻩ ﺍﻟﻜﻠﺐ ﺑﺲ ﺷﻮﻓﺘﻚ ﻏﺎﻳﻪ)) .