تداولت مواقع التواصل الإجتماعي وثيقة صادرة من وزارة المالية العراقية، موجهة إلى مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تشير إلى عجز كبير في تمويل رواتب الموظفين والمتقاعدين إضافة إلى شبكة الرعاية الإجتماعية.
الوثيقة أثارت هلعاً بين تلك الفئات التي تعتمد على مرتباتها في تسديد متطلبات الحياة اليومية.
وبين نفي الوزارة وتأكيدها إن مرتبات تلك الشرائح مؤمنة لفترة معينة، وتأكيد نيابي بإن القادم أسوء بما يتعلق بالوضع الإقتصادي، وإن العراق سيدخل في أكبر أزمة مالية لم يعرفها منذ تأسيس الدولة العراقية، يعيش العراقيون أيامهم في كوابيس مزمنة أصبحت تلاحقهم وهم في صحوتهم وكأن حياتهم اليومية أصبحت صوراً من الكاميرا الخفية.
الغرابة التي تصل إلى حد جنون العقل إن أسعار النفط ظلت مرتفعة بما يحقق أسعاراً جيدة للحكومة التي أستلمت وضع مالي مريح، إضافة إلى تركة من مليارات الدولارات توارثتها من حكومة الكاظمي بما يسمى الأمن الغذائي.
يضاف إلى ذلك الوضع السياسي والإقتصادي المستقر للبلد الذي ضاعف المردود المالي للدولة، فأين ذهبت الموازنات الإنفجارية؟ وهل يُعقل بلد نفطي مثل العراق يعجز عن توفير رواتب لموظفيه، ألا يعتبر ذلك سخرية من سخريات هذا الزمن؟.
قبل أيام أعلنت وزارة المالية في موزمبيق وليس في العراق، إن الأخير تنازل عن 256 مليون دولار من إجمالي ديون النفط المستحقة على موزمبيق والتي تعود إلى صفقة توريد نفط بين البلدين من مجموع دين يبلغ 320,2 مليون دولار، وسيتم دفع المبلغ المتبقي والبالغ 64 مليون دولار على مدى 15 عاماً بدأً من عام 2029، ولازال السبب مجهولاً في هذا الكرم “الحكومي” بالتنازل عن مبلغ يكفي لبناء عشرات المستشفيات والمدارس التي تتساقط أسقفها على رؤوس طلابها دون حلول ترتجى، ثم من أعطى الحق للجانب الحكومي بالتنازل عن أموال الشعب؟.
مع إشارات دولية وإقليمية بإحتمالية إنخفاض أسعار النفط إلى مادون الـ 50 دولاراً، والعقوبات الأمريكية التي بدأت تتلاحق على المصارف العراقية لتهريبها الدولار وإمكانية إيقاف الجانب الأمريكي تسليم الدولار للعراقيين، يضاف إلى ذلك الأزمة الجديدة التي بدأت تكبر مع إقتراب فصل الصيف وهي معضلة الكهرباء بعد إنقطاع الغاز الإيراني عن المحطات العراقية، يبدو أن الوضع الإقتصادي للعراقيين سيكون في قاع سحيق من الإنهيار.
وتتحدث تسريبات إن الإجتماع الذي جمع البنك المركزي العراقي مع وفد من الخزانة الأمريكية حمل سيناريوهات مخيفة عن القادم الأسوء جراء تفاقم الوضع الإقتصادي للبلد، وإن ما يجري هو محاولات للتكتم على ذلك العجز المالي وقلة السيولة.
أكثر من 250 مليون دولار يبيع البنك المركزي يومياً وهو مبلغ “لامعقول” يُثير الشبهة والتساؤل عن مصير ذلك الرقم وأين تذهب إيراداته، مع أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أشار في إحدى حواراته التلفزيونية إن هذا المبلغ لا يُعبّر عن حقيقة ما يصدره أو يستورده بلد مثل العراق، لكن يبدو أن ذلك الكلام لم يغير من الواقع شيئاً سوى زيادة في تهريب الدولار إلى الخارج.
يحتاج العراقيون إلى من يفك طلاسم واقعهم المزري ويخبرهم عن الوقت الذي سيشعرون فيه بالراحة ومساواتهم بأقرانهم في دول الخليج، ومتى يستفيدون من خيرات بلدهم المنهوب إلى الخارج وقد وصل سعر برميل النفط إلى أسعار أكثر من جيدة، وموازنات إنفجارية لم يستفيدوا منها سوى سماع أرقامها؟.
العراق أيها السادة ليس بلداً فقيراً، يكفيه من الخيرات موقعه الجغرافي وخيراته تحت الأرض وفوقها، لكنه شعب لم يغدق عليه حكامه سوى الفقر والجوع والحرمان، بإمكان من يتولى أمرهم أن يتبرع إلى أي بقعة من الأرض، لكن شعبهم سيضعون أمامه كل المحرمات تماماً كما رد وزير الإعمار والإسكان بنگين ريگاني على أحد المعلقين على صفحته في فيسبوك حين طالبه بتبليط أحد الشوارع في شرق بغداد فكان رد الوزير باللهجة العامية “والله ما عدنه فلوس” كدليل صارخ لأزمة السيولة في العراق.
مع تصاعد العقوبات الأمريكية على الإقتصاد العراقي وعدم وجود خطة بديلة لوقف ذلك الإنهيار وتأكيدات سياسية إلى سعي واشنطن التحكم بالخزينة المالية للعراق ومنع تهريب العملة إلى إيران، فإن ذلك يعني أن النظام السياسي سيكون مرهوناً للمزاج الأمريكي الذي سيجعله يتحكم بالقرار السيادي لإبعاد العراق عن دائرة النفوذ الإيراني، ونتوقع إن قرارات الرئيس الأمريكي ترامب ستكون أشد وطئاً في الأيام القادمة من قرارات إقتصادية وسياسية قد ترقي إلى العسكرية، والمصيبة إنه بالرغم من كل ذلك التحذير إلا إن التهريب مازال مستمراً، والوضع الإقتصادي مقلقاً.
يعيش العراقيون على واقع زيادة الضرائب التي بدأت تنهش من قوت المواطن ومصروفه وغرامات تكفي لوحدها تسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين، فأين تذهب تلك الأموال؟ ذلك السؤال المسكوت عنه الذي لا تجدون له أي إجابة، ألم نقل إن حياتنا أصبحت مشهداً من مشاهد الكاميرا الخفية.