خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
قبل أيام انتشرت صورة؛ ربما كانت الأكثر إثارة للجدل في الفضاء المجازي، حيث ظهرت الممثلة “ترانه علي دوستي”، والصحافية “الهه محمدي”؛ المفرج عنهما حديثًا، في محفل فني دون ارتداء الحجاب. بحسب تقرير مجلة (مهر) الإيرانية.
وهذه الصورة ليست مجرد لحظة تم التقاطها من تجمع بسيط؛ لكن في الحقيقة عبارة عن قصة معقدة عن الازدواجية ونقض العهود التي أعلنتها كلتاهما، وقاموا بمثل هذا التجاوز والانتهاك للأعراف والمعايير في حين لم يجف حبر رسائل توبتهن.
وقبل ذلك؛ كانت كلتاهما قد أعلنت بوضوح الندم والشعور بالخجل لتصرفاتهما، وأنهما يعتزمان عدم المضي في طريق مغايير للأعراف والمعايير، لكن هذه الصورة المتداولة لهما بعد إعلان الندم والتوبة مباشرة تثير سؤالًا، حول ما إذا كانت تبوتهما نابعة بالفعل عن شعور حقيقي بالندم أم كانت مجرد وسيلة للتخلص من القوانين ؟
يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا أن هذه القصة ليست مجرد حادثة فردية، بل هي مؤشر على قوة وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام. ذلك أن وسائل الإعلام التي نشرت هذه الصورة، ساهمت بوعي في بلورة انقسامات جديدة في المجتمع وتُفاقم الخلافات القائمة، وفي خضم ذلك، ما يتم نسّيانه هو أن هذه الشخصيات المعروفة تنتهك بشكلٍ صارخ الالتزامات التي قطعتها على نفسها لتغيّير سلوكها.
ولا ننسى أن نفس هؤلاء المشاهير الذين كانوا قبل ثلاث في ذورة الشعبية، قد خسروا مكانتهم بين المواطنيين. إنهم لا يملكون الآن، وقد كانوا يعتبرون أنفسم أنموذجًا للمجتمع لا سيّما فئة الشباب، نفس تأثيرهم السابق ولا الدعم الذي كانوا يمتعنون به يومًا ما.
ويعكس سقوط مثل هؤلاء أن الشعبية، هي شيء أكبر من مجرد الشهرة، وتزول بدون اهتمام المواطن، والآن يسعون بمثل هذه السلوكيات إلى تُصدّر الأخبار مجددًا.
النفاق.. الجانب الآخر من التموضعات الجريئة..
وفي تحليل هذه السلوكيات؛ لا يجب أن نسَّقط في مصيدة الروايات العاطفية، فقد يرى البعض في هذه الصورة مؤشر على الشجاعة والمقاومة، هل يمكن ببساطة اغماض العين عن النفاق ؟
ذلك أن الشخص الذي يقوم بأشياء متناقضة في المواقف المختلفة، لا يمكن أن يدعي الشفافية والصداقة.
وهذه التناقضات لا ترتبط بشخصٍ أو فصيل معين، وإنما هي مؤشر على ظاهرة أوسع؛ حيث يلعب بعض المشاهير أدوارًا مختلفة بحسب الظروف. تراهم في لحظة ما، يدافعون عن قيمة معينة، ويتصرفون عكس ذلك تمامًا في لحظة أخرى.
وسائل الإعلام وصناعة الانقسامات.. من المستفيَّد ؟
لا شك أن انتشار مثل هذه الصور ليس مجرد حدث عابر، وقد تبدو لحظة عابرة في حياة اثنين من المشاهير، إلا أنها تُخفي أكثر من مجرد رد فعل اجتماعي أو فردي. فقد أبدت وسائل الإعلام؛ وبخاصة المعارضة، رد فعل سريع على هذه الصور، وناقشت كل منها هذه الواقعة من زواية خاصة، لكن المشترك بينها هو إثارة الانقسامات الاجتماعية وتعميق الفجوات القائمة في المجتمع.
وسّعت وسائل الإعلام المعادية بالخارج من خلال تسليّط الضوء على هذه الصور، إلى تقديم رواية خاصة للواقعة باعتبارها؛ (مواجهة فرد ضد النظام)، فلم تقدم “ترانه” و”الهه” باعتبارهما رمز للاحتجاج، وإنما سعت إلى تقديمها بوصفهما رمز: “للمقاومة المدنية”.
وتجاهلت هذه الوسائل بوعي سوابق هاتان الشخصيتان وسلوكياتهما المتناقصة السابقة، ولم تُشّر إلى حقيقة ظهور كلتاهما على الرأي العام وإعلان الندم والتوبة عما كان قد بدر منهما سابقًا.
لكن من جهة أخرى، إذا ننظر إلى هذه الصور فقط كفعل فردي، فلا يزال لا يمكن تجاهل أبعادها الاجتماعية. هذه الصور لا تُظهر فقط سلوك شخصين، بل هي رواية عن ازدواجيات اجتماعية وثقافية وحتى سياسية، تنتشر بسرعة في الفضاء الافتراضي، وتسعى وسائل الإعلام، خاصة تلك التي تعمل خارج البلاد، توجيه الرأي العام نحو اتجاه معين عبر تحليلاتها.
وتحاول هذه الوسائل، من خلال التركيز على مثل هذه الصور، إلى تقديم أمثال “ترانه” و”الهه” كرموز لتحريض الرأي العام وخلق انقسامات عميقة في المجتمع. إلا أن ما تروج له هذه الوسائل تحت مسَّمى: “المقاومة” و”الحرية”؛ تهدف في الغالب إلى تعميق الأزمات التي يمكن أن تكون ضارة على المستوى الاجتماعي.