يعود تاريخ اليهود في العراق الى اكثر من ٣٥٠٠ سنة ، حيث تواجدت على ارض العراق بعدالسبي الآشوري لهم في العام ٦٢٦ ق.م واتبع الآشوريين سياستهم في تشتيت مناطق سكن اسراهم حيث زجوا بهم الى مناطق بعيدة ونائية في اقصى الشمال العراقي مخافة ان يندمجوا مع السكان الاصليين للمدن فكان هذا اول سبب لتواجد اليهود على الاراضي العراقية
تعددت الادوار اليهودية في العراق واختلفت بل واختلف تفاعلهم ومشاعرهم تجاه العراق من فترة لأخرى فهم تغيروا وتغير نوع انتمائهم للعراق مع الزمن الى ان صاروا جزء حقيقي من الشعب العراقي .
ما يميز اليهود عن باقي مكونات الشعب العراقي هو انهم اتوا بالقوة ورحلوا بالقوة وكما يقول عنهم الأستاذ (رشيد الخيون) ان اليهود جاؤآ الى العراق بالسبي البابلي ورحلوا عنه بالسبي الاسرائيلي.
إذ أن اليهود تعرضوا بعد السبي الآشوري للسبي البابلي سنة ٥٩٧ ق.م بقيادة القائد البابلي نبوخذنصر وتم سبيهم واستقدامهم الى العراق كأسرى وذلك لأن ملك يهوذا آنذاك (يهوياكيم) قام بالتحالف مع الفرعون المصري (نخاو الثاني) فأرسل نبوخذ نصر جيشا وحاصر اورشليم وتمكن من الانتصار بعد استسلامهم وهنا قام بأسر قرابة ٣٠٠٠ منهم ومن ضمنهم ملكهم يهوياكيموكان هذا هو السبي البابلي الأول ، كما وقام بتنصيب ملكا جديدا عليهم وهو (صدقيا) ابن الملك يهوياكيم إلا أن الأخير تمرد على البابليين وتحالف من جديد مع الفرعون المصري في فترة لا تتجاوز العشرين شهرا مما دفع بنبوخذنصر بأرسال الجيش البابلي مرة اخرى الى اورشليم ومحاصرتها من جديد وأسر ما يقارب الاربعين الف يهوديآ من بينهم الملك الجديد صدقيا .وقام بتهديم هيكل سليمان وحاول صدقيا الهرب ولكن محاولته بائت بالفشل وتم القبض عليه في مدينة اريحا واقتادوه هو وافراد اسرته الى احد المعسكرات، هذا ملخص بسيط عن السبي البابلي الأول والثاني لليهود.
مجهولة هي الأسباب التي دفعت بالملك يهوياكيم ان يتحالف مع الفرعون ضد الامبراطورية البابلية ومن بعده ابنه الملك صدقيا ولكن الاحتمال الأكثر قبولا هو ان اليهود استاؤا من سيطرة العراقيين عليهم خصوصا في الفترة التي شكل بها السومريين امبراطوريتهم الممتدة في العراق والشام والتي كان اسمها (سهل شنعار) والتي تضم ارض السومريين العراقيين واجزاء واسعة من ارض الشاميين الكنعانيين تمتد الى بقاع عدة من سوريا وفلسطين وشرق فلسطين .وبما ان اليهود في تلك الفترة هم من الكنعانيين ما دفعهم الى ان يفضلوا فرعون مصر ضد اي ملك عراقي مهما كانت قوميته .
وهكذا تم اخذهم مرغمين الى العراق وسكنوا في بابل وتعايشوا مع ابنائها وتمت كتابة التوراة في بابل اذ كانت الديانة اليهودية عبارة عن ديانة شفهية قبل ذلك ولكن في بابل قام اليهود بكتابة التوراة والتي تعني (التراث) متأثرين بالقصص والأساطير السومرية والفولكلور العراقي السومري (كما ذكرنا في مقال سابق) وتم اضافة طابع الحزن في كتابة التوراة على غرار الحكايات والاساطير العراقية المتصفة بالشجن العراقي.
وهذا لايعني ان لليهود سببين او ثلاثة للمجيء الى العراق والعيش فيه وهما السبي الآشوري والسبي البابلي الأول والثاني ، إذ ان هناك سبب او مصدر آخر وهو القبائل العربية المتهوده والتي تم طردها من ارض الحجاز ايام عمر بن الخطاب ، وهؤلاء اصلا كانوا اعرابا واعتنقوا اليهودية فلما وصلوا الى العراق سكنوا مناطق الفرات الأوسط .وكانت قبائل العراق هي امتداد للقبائل العربية آنذاك في الفرات الأوسط مما اتاح فرصة التأقلم ليهود الجزيرة العربية في أن يستقروا في العراق نتيجة التشابه في الدم واغلب الموروثات الأجتماعية .
عندما هاجم الملك الأخميني كورش بجيشه الامبراطورية البابلية قام البعض من اليهود بالتعاون معه ضد البابليين ولكن القلة منهم وليس الكل او الاكثرية وعملوا كجواسيس او عيون لصالح كورش ضد البابليين وعندما تمكن كورش من اسقاط عرش بابل سنة ٥٣٩ ق.م قام بمكافئة الغلاة اليهود المتعاونين معه وارجعهم الى فلسطين كأمراء عليها و ولاة عليها(خصوصا المتعصبين منهم والذين ظلت فكرة اعادة بناء الهيكل تراود احلامهم) ورفضت الأكثرية اليهودية العودة الى ارض فلسطين بعد ان تعايشوا مع العراقيين في بابل وغيرها من المدن العراقية .فاتخذوا من مسار نهر الفرات مسكنا جديدا لهم وتجمعوا في مدن الانبار المطلة على الفرات كما ان هناك منهم من بقي في بابل.
منح كورش حريات واسعة لليهود الباقين في بابل وتمتعوا تحت حكم الأخمينيين بالاستقلال والحرية ونشروا جزء كبير من الأدب اليهودي واقاموا لهم دور للعبادة واتخذوا من بابل مركزا لهم واقاموا مركزين مهمين لتدريس تعاليم التلمود اليهودي (والذي يعني التعاليم) كما قاموا بتأسيس اكاديمتيين دينيتين وهما (نهرعة) و ( صورا). العراق متغير ومتعدد بل ويمكن ان نقول عنه متنوع ليس فقط بالاجناس وانما حتى من ناحية الجغرافية والتضاريس فهو البلد الذي يكاد ان يكون الوحيد بالعالم الذي يحتوي على كل انواع التضاريس في خارطته من جبل الى هضبه الى سهل الى صحراء و يمتاز بوجود نهرين عظيمين من ناحية الطول والأمتداد والتربة الخصبة ويلتقيان ويكونا نهرا ثالث محاط بالمناطق المحيطة الخصبة ايضا ويصب في البحر اخيرا ، هذا التنوع يجعل الفكر العراقي او العقلية العراقية متنوعة هي الأخرى كما ان الاجناس في العراق متعددة منذ اقدم العصور فمثلآ السومريون وزامنهم وتلاهم بعد ذلك الأكديون ومن ثم الآشوريون وتلاهم الأكديون وطبعا تخلل وجود قوميات متزامنة مع هذه القوميات الاربعة مثل الآموريون والمندائيون الذين يعتنقون الديانة الصابئية .كل هذا التعدد في الأجناس يزيد من فرص الاقوام الجديدة للتعايش في العراق ولا يترك باب الشعور بالغربه او عدم الانتماء مفتوحا بوجه الأقوام الجديدة لأن (كلا يدعي وصلا بليلى) ولا يمكن لقوم معين ان يفرض على غيره احقيته في العراق وارضه .واستمر حال اليهود على هذا النحو الجيد من الحرية وممارسة الحقوق الدينية والطقوس الخاصة بهم الى فترات طويلة امتدت لتصل الى عدة قرون تمكنوا خلال هذه الفترات الطويلة من إنشاء جامعتين دينيتين خاصة بهم ومن الجدير بالذكر ان اساتذة هاتين الجامعتين خرجوا للترحيب بالأمام علي بن ابي طالب عندما انتقل بخلافة الدولة الأسلامية من المدينة الى الكوفة فخرجوا للترحيب به وإعلان الطاعة له وبالمقابل وعدهم الإمام بحسن المعاملة وتبادل الآحترام بين الاديان وكان عدد اليهود آنذاك اي في سنة ٦٥٥ ميلادية يقارب التسعين ألف نسمة داخل العراق. وهذا مؤشر واضح على ارتياحهم للعيش في العراق بل وتفضيل العراق على موطنهم الأصلي الذي جاؤا منه . كان وضع اليهود افضل من وضع المسيحيين العراقيين إذ ان البابليين والآشوريين عندما اعتنقوا الديانة المسيحية بعد ظهور السيد المسيح تعرضوا للمضايقة من قبل الأخمينيين وتعرضوا ايضا لمحاولات عديدة (أي الكلدانيين البابليين والآشوريين) من قبل الاخمينيين لأعتناق الديانة الزرادشتية إلا أن اليهود لم يتعرضوا لهذه المضايقات والضغوط.ولا حتى من احية اللغة لم يفرض الاخمينيين على اليهود ان يتخلوا عن لغتهم الآرامية واستبدالها بالفارسية كما فعلوا مع الآشوريين والكلدانيين .
وبعد ذلك انتهت خلافة الراشدين بأستشهاد امير المؤمنين علي ابن ابي طالب ودخلت الدولة الأسلامية في عهد الخلفاء الأمويين ولم يتغير حال اليهود في العراق ولكن وبعد مجيء الخلفاء العباسيين وازدهار الدولة الأسلامية كان وضع اليهود جيدآ حتى في ايام هارون الرشيد وفي عهد الامين ايضا وكان المأمون يتعاطف معهم ولكن عندما تولى المتوكل خلافة الدولة الأسلامية بدأت الأمور تسيء مع اليهود واعمالهم ومجالات الحرية بدأت تضيق عليهم بشكل كبير مما سبب ترك البعض منهم ارض العراق ولكن بنسب قليلة جدا مقارنة بمن بقى ولم يترك العراق .
ما بعد عهد الخلفاء وفترة الدولة العثمانية
سقطت الدولة الاسلامية على يد المغول سنة ٦٥٦ هجرية او ١٢٥٨ ميلادية ، وذاق اليهود كباقي العراقيين اشد انواع الويل والعذاب من قبل المغول وقائدهم هولاكو حيث لم يفرقوا بين هذا العراقي او ذاك والكل عندهم سواسية . ولكن بعد دخول السلطان العثماني سليمان الأول للعراق سنة ١٥٣٤ ميلادية لم يلحق باليهود اي نوع من انواع الأذى وعندما تسلم مراد الرابع حكم الدولة العثمانية واستعاد بغداد من الفرس سنة ١٠٤٧ هجرية/١٦٣٧ ميلادية احسن الي اليهود واعاد لهم حرياتهم وعاد اليهود الي نششاطهم من جديد وتحركوا شمالا صوب كركوك والموصل واربيل والتقوا بابناء جلدتهم المسبيين علي يد الآشوريين كما ذكرنا في بداية المقال وعمروا المزارات الخاصة بهم ومن ضمنها مزار نبيهم ناحوم في قضاء القوش قرب الموصل ،وايضا اتجهوا نحو الجنوب وايضا عمروا مزاراتهم مثل النبي الكفل ويوشع . ومن المؤشرات المهمة على وضع اليهود الجيد في العراق وانهم مارسوا ليس فقط طقوسهم وتعاليمهم الدينية بل انهم انخرطوا في التجارة وصار فيهم اثرياء او اثرياء جدا لدرجة ان احد اليهود قام بمد الجيش العثماني بالمال في حربهم ضد الفرس سنة ١١٩٠هجرية/١٧٧٦ميلادية .واستمرت حالتهم هذه في عهد العثمانيين جيدة جدا وعندما جاء السلطان العثماني عبد المجيد سنة ١٨٥٦ ميلادية واصدر احكاما ومراسيم بخصوص كل الطوائف غير المسلمة وفي مقدمتها اليهود والمسيحيين .ان اليهود في العراق كان عددهم اكثر بكثير من المسيحيين وباقي ابناء الديانات الاخرى من غير المسلمين وعودة الى فترة السلطان عبدالمجيد فانها تعتبر الفترة الآكثر انتعاشا لليهود ليس فقط علي الصعيد الديني والتجاري وانما هناك ايضا نواحي اخرى من اهمها تأسيس مدرسة الإتحاد والتي تعتبر حجر الزاوية واللبنة الأولى لانتشار المدارس اليهودية في كافة انحاء ومدن العراق وبعد ذلك في فترة الحاكم العثماني مدحت باشا سنة١٨٦٨ميلادية كانت امور اليهود تشهد النعيم ايضا حيث اسسوا محاكمهم الروحانية وبدؤا يمارسون الانتخابات داخل طائفتهم لانتخاب اللجان المشرفة على امورهم الدينية وغير الدينية من ثقافية او صحية الى ان تمكنوا من بناء اول مستشفى خاص باليهود وهي مستشفى ( مير إلياس) . واستمر الحال على ما هو عليه حتى سنة ١٨٧٦ ميلادية عندما اشترك اليهود في الانتخابات (انتخابات مجلس المبعوثين) وتمكن احدهم بأن يكون احد النواب عن بغداد وكان اسمه مناحييم دانيال ، وهذا يعد مؤشر واضح على ان اليهود كأعداد كانوا اكثر من المسيحيين داخل بغداد إذ أنه لم ينتخب اي نائب مسيحي في بغداد لنفس الغرض.
واستمر حال اليهود على هذا النحو الجيد داخل العراق الى ان اندلعت الحرب العالمية الأولى حيث بدأ الخناق يضيق عليهم من قبل الحكام والولاة وايضا الشرطة العثمانية وبدأت التهم تلاحقهم وتلصق بهم ويزج ابنائهم في السجون وتقوم الشرطة العثمانية بابتزازهم واخذ الرشوة منهم الى ان سقطت الدولة العثمانية عام ١٩١٧ على يد الانكليز وانتصار الجيش البريطاني بقيادة الجنرال مود.
فترة الحكم الملكي
واصل اليهود سير الحياة تحت ظل الاحتلال البريطاني الجديد كعراقيين حقيقيين مثلهم مثل باقي اطياف ومكونات الشعب العراقي وخصوصا الفترة التي تلت تشكيل المملكة العراقية وتنصيب فيصل الأول ملكا على العراق .كما ذكرنا في هذا المقال فأن اليهود انتشروا في العراق من شماله الى جنوبه فمنهم من اتجه جنوبا الى مناطق المنتفك والعمارة والبصرة واتخذ من مراكز هذه المدن والمناطق مقرا لاستقرار اليهود ومنهم من اتخذ من الحلة والنجف وكربلاء والديوانية مراكز لإقامة اليهود ومنهم ايضا من اتجه شمالآ صوب الموصل وكركوك واربيل والسليمانية ، لذلك نرى ان في كل المدن الكبرى يوجد سوق يسمى سوق اليهود وهو موجود في كل من الموصل والبصرة وحتى المدن الصغيرة مثل سامراء .اما في بغداد وهي المدينة التي ضمت اكبر عدد من اليهود مقارنة بباقي مدن العراق فقد انتشر اليهود فيها بشكل واسع جدا من شمالها الى جنوبها وخصوصا منطقة قصر شعشوع في الاعظمية الى سدة خضوري في منطقة الكرادة ، وسكنت الفئات الشعبية والطبقات الفقيرة منهم في مناطق سوق حنون وعكد الجام وعكد الجنائز وبني سعيد وشارع غازي والشوجة ومحلة التوراة وساحة الأمين .وعرفوا اليهود ببراعتهم في الاعمال التي يمارسوها واتقانهم للمهن والحرف التي يمتهنوها وقد شهد لهم كل العراقيين بذلك . وكانت هناك في بغداد عواذل مشهورة في المجتمع البغدادي لعل ابرزها كانت عائلة مناحيم دانيال وعائلة ابراهيم حاييم العضو في البرلمان لدورات عديدة. وكبار تجارهم من امثال ابراهيم عدس . وشيد اليهود مباني خاصة بهم في بغداد وخصوصا في منطقة الباب الشرقي والسعدون وكرادة مريم ومنطقة السنك .وقد يكون قصر خضوري لاوي ابرز تلك المباني اليهودية والذي يقع في منطقة الكرادة.
وايضا سكنوا حتى في المناطق الدينية مثل كربلاء المقدسة وهذا يشير بوضوح الي تسامح المسلمين وتقبلهم لأهل الديانات الأخرى من العراقيين تماما هو الزمر لليهود المتواجدين في شمال العراق في عقرة والعمادية وزاخو ودهوك حيث كانت العوائل اليهودية تعيش بجوار العوائل المسيحية والكردية .
احصائيات وتعداد اليهود العراقيين في التاريخ الحديث
وفق دراسة للمؤرخ الاستاذ الدكتورحنا بطاطو فأن تعداد اليهود في بغداد قبل الحرب العالمية الأولى كان ٥٣ الف نسمة من مجموع ١٥٠ الف . اي انهم كانوا يشكلون ثلث سكان بغداد في ذلك الوقت وحتى عام ١٩١٧ . اما لو اردنا الدخول في تعداد دقيق لليهود في العراق فهذا امر صعب لعدم وجود احصائيات دقيقة في تلك الفترات وخاصة وان البلاد كانت دائما تحت سيطرة هذا الاحتلال او ذاك إذ ان المحتل لم يكن مكترثا ولا يهمه عدد العراقيين بقدر ما تهمه الواجبات العسكرية والسياسية التي دفعته لأحتلال العراق ولكن وفقا لمؤلفات المؤرخ العملاق طه باقر فأن تعداد اليهود في عهد الوالي داوود باشا العثماني والذي حكم بغداد سنة ١٨١٦ـ١٨٣٦ كان تعداد اليهود في بغداد كان سبعة آلاف نسمة . وفي مطلع القرن التاسع عشر قدر عددهم بحوالي (٢٥٠٠) اسرة . وفي السليمانية كان عددهم (٣٠٠) اسرة كذلك كان لهم تواجد في مدينة عنة في الانبار ولكن لا وجود لرقم دقيق عن اعدادهم كأشخاص او كعوائل .
و وفقا لتقرير الأمم المتحدة سنة ١٩٢٤ حول مشكلة الموصل فأن التقرير يذكر بأن عدد اليهود في الموصل كان ٣٥٧٩ نسمة .
ويذكر الاستاذ يوسف غنيمة ان عددهم في ظل حكومة الاحتلال البريطاني كان ٧٨٤٤٨ نسمة موزعين على خمسة عشر مدينة عراقية وكان اكبر تواجد لهم في بغداد بحدود ال ٥٠٠٠٠ (خمسين الف نسمة) تماما كما ذكر الدكتور حنا بطاطو. واقلها كان في كربلاء حيث كان هناك فقط ١٦٠ شخص .
اما في تعداد عام ١٩٥٧ فلم يسجل اليهود هذه الارقام وكانوا بضعة آلاف وذلك نتيجة الترحيل الاجباري إذ ان حكومة نورالسعيد وغيرها من حكومات العهد الملكي اجبرت اليهود على ترك العراق ومغادرته تحت ظروف قاهرة . ففي عام ١٩٤١ في الفترة التي اعقبت انقلاب رشيد عالي الكيلاني تعرض اليهود لمأسآة كبرى بعد يوم واحد وهي حادثة الفرهود حيث امرت السلطات بفتح ابواب المحلات التي تعود ملكيتها لليهود وامرت الناس بأن يستحوذوا على موادها . وبعد ذلك وفي خمسينيات القرن الماضي تشير المصادر الى وجود اتفاقية بين (بن غوريون) اول رئيس وزراء لاسرائيل ونور السعيد ومضمون هذه الاتفاقية هو اجبار اليهود العراقيين للسفر الى اسرائيل وترك العراق .وقد ذكر ذلك الاديب سمير النقاش في مذكراته وهذا الاخير الذي ترك اسرائيل بعد ترحيله اليها لكي لايخدم ابنائه في الجيش الاسرائيلي حيث قال بأن نورالسعيد قد برر تهجير اليهود حين قال (إني سأبعث للدولة الصهيونية بماذة وخمسين ألف يهودي وبذلك ستتشكل الدولة الصهيونية دون الحاجة للحروب) وعلق الاستاذ النقاش على نور السعيد بالقول (لكنه كان يعرف أن يبعث لصاحبه بن غوريون بحطب للمدافع وبعبيد يشيدون المباني ويعبدون الطرق).ويذكر النقاش ان اليهود تعرضوا في كل مكان تواجدوا فيه لمثل ما تعرض له يهود العراق في الفرهود . اذ انها عملية مخططة ومدبرة تدخلت في صياغتها قوى و دول عديدة لداعي واحد وهو هجرة اليهود والذهاب للعيش في ارض الميعاد اي اسرائيل.ولكنها في الوقت نفسه لم تثنيهم عن انتمائهم ولم تؤثر في تمسكهم بالعراق ومثال على ذلك موقفهم من وعد بلفور حين رفضوه ولم يلقى قبولا منهم وقبله رفضوا ما يسمى بالجمعية الصهيونية في اوربا . وقد كتب الاستاذ مير بصري( الذي سيأتي ذكره فيما بعد ضمن هذه المقالة) عن ذلك في ملحق لكتاب الدكتور يوسف غنيمة (( نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق )) .
وحدث ان تم استدعاء وجهاء اليهود في العراق من قبل السير ارنولد ويلسون والذي كان يشغل منصب وكيل الحاكم الملكي العام بالعراق وبشرهم بوعد بلفور قالوا له: ان فلسطين مركز روحي لنا ، ونحن نساعد المعابد ورجال الدين فيه ماليآ، لكن وطننا هي هذه البلاد التي عشنا في ربوعها آلاف السنين وعملنا بها وتمتعنا بخيراتها ، فاذا رأيتم ان تساعدوا هذه البلاد وتحيوا اقتصادها وتسندوا تجارتها فآننا نشارك في الرخاء العام . هذا ايضا ماذكره الاستاذ مير بصري في نزهة المشتاق.